بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
إذا كان هناك مبرر ما للجدل حول فيلم «القضية رقم 23» الذى وصل إلى القائمة المختصرة لأفضل فيلم أجنبى فى مهرجان الأوسكار، وجدارة تمثيله للعرب لأن مخرجه زياد دويرى ذهب إلى إسرائيل، فليس ثمة أى منطق للاختلاف على أهمية وصول فيلم «آخر الرجال فى حلب» إلى القائمة المختصرة لأفضل فيلم وثائقى فى هذا المهرجان.
ناقشتُ فى اجتهادات أمس الاول منطق الجدل حول فيلم «القضية رقم 23» وانتهيت إلى أن ذهاب مخرج لبنانى إلى إسرائيل لتصوير أجزاء من أحد أفلامه لا يُبَّرر اتخاذ موقف ضد فيلم آخر تماما له.
أما فيلم «آخر الرجال فى حلب»، فلا أجد منطقاً لهجوم البعض عليه، أو عدم الابتهاج للإنجاز الذى حققه للسينما العربية عموما، الفيلم ليس سياسياً، ومخرجه الموهوب فراس فياض حرص على عدم تسييسه، حتى لا يُخرجه من سياقه الإنسانى، رغم أنه يتناول جانباً من أحد فصول الحرب الضارية فى سوريا.
يقدم الفيلم صوراً إنسانية فريدة لعدد من المتطوعين فى مجال الدفاع المدنى فى حلب، فى الأيام التى بلغ فيها القصف الجوى إحدى ذراه. الرجال الذين يُصورهم الفيلم لا يتسابقون للهروب من جحيم القصف والدمار وشبح الموت الذى يلاحقهم فى كل لحظة، بل يصرون على البقاء لمساعدة أطفال ونساء ورجال يحتاجون إلى أى عون.
وكثيرة هى المشاهد الإنسانية العميقة التى يستحيل على معظم مشاهديها حبس دموعهم. ولكن مشهد المُنقذ الذى ينتشل طفلاً من تحت الأنقاض، ويُنقذ حياته، ثم يرعاه فى الأيام التالية، أحد أكثر هذه المشاهد تأثيراً0
الكاميرا هى بطلة هذا النوع من الأفلام التى يتوقف جانب أساسى من تقييمها على الصورة. ولكن خالد عمر ومحمود، وزملاءهما المتطوعين الذين رفضوا الهرب من حلب، هم الذين يصنعون لهذا الفيلم تميزه، فضلاً عن المخرج الذى نجح فى استخدام مجموعة من الصور المتفرقة التى بثت وسائل الإعلام معظمها فى حينها بطريقة فنية بحيث تبدو كما أنها جديدة أو حصرية.
حرص فياض على تقديم عمل فنى إنسانى رفيع فى موضوع تقطر منه الدماء، دون أن ينزلق إلى التسييس الذى يتورط فيه مهاجمو هذا الفيلم، ومن لا يحفلون بالضحايا الذين يصوَّرهم والكارثة التى يُوثقها.
نقلا عنالاهرام القاهرية