بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
يثير أى احتكاك قد ينطوى على أبعاد طائفية قلقًا فى أجواء لبنان الراهنة. ليس أخطر من الجرائم التى يرتكبها الجيش الصهيونى فى مناطق عدة إلا حدوث فتنة. يسعى الكيان الإسرائيلى إلى خلق الفتنة التى يُخشى منها. والشواهد على ذلك كثيرة، والسوابق أكثر.
ولهذا كان من الطبيعى أن يشتد القلق قبل أيام عندما حُطم تمثال الأمير مجيد أرسلان المنصوب فى الطريق بين بيروت وخلدة، برغم عدم وجود ما يؤكد أن هذا هو هدف المُعتدين عليه. لم يُستبعد احتمال أن يكون الاعتداء بغرض سرقة البرونز الذى يحتوى عليه التمثال. ولكن هل تحطيمه هو السبيل الوحيد لهذه السرقة، ولماذا لم تُستهدف تماثيل أخرى إن كانت السرقة هى الهدف؟
وفى كل الأحوال بدا المشهد مؤلمًا ومخزيًا. الأمير الذى استُهدف تمثاله هو أحد أبرز رجال استقلال لبنان، وربما أكثرهم نضالاً ضد الاحتلال الفرنسى. شارك مع زعماء كبار مثله فى التوصل إلى الميثاق الوطنى المعمول به حتى الآن. ولكن ما أن وُقع الميثاق حتى اعتقلت قوات الاحتلال الفرنسى رئيس الجمهورية بشارة الخورى ورئيس الحكومة رياض الصلح وبعض الوزراء. ولم تفلح فى توقيف آخرين بينهم الأمير أرسلان، فشكلوا «حكومة لبنان الحر». وسعى هو إلى تكوين قوة مسلحة صغيرة لمواجهة قوات الاحتلال بالتوازى مع إضراب مفتوح ومقاطعة المحتلين. ومع تصاعد الكفاح الوطنى بسرعة اضطرت فرنسا إلى قبول استقلال لبنان فى 22 نوفمبر 1943 (اليوم الذى يُحتفل فيه بالاستقلال حتى الآن) برغم أن انسحاب قوات الاحتلال لم يكتمل إلا فى آخر ديسمبر 1946.
وفى تاريخ الأمير أرسلان وزملائه شىء مما حدث فى مصر عشية ثورة 1919، وفى حصولها على استقلال أُعلن عام 1923 ولكنه لم يكتمل إلا بانسحاب القوات البريطانية بشكل كامل عام 1954.
ومما يميز الأمير الراحل أن كفاحه لم يقتصر على لبنان، بل امتد إلى فلسطين. فكان هو من قاد القوة اللبنانية التى قاتلت فى حرب 1948. فسلامُ لروح الأمير الوطنى ابن الشويفات وطائفته الدرزية الكريمة، وتحيةُ لمواقف قادتها السياسيين والدينيين المُشرفة ضد اعتداء الصهاينة وإجرامهم.