بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يندر أن نجد فى عالم اليوم خرائط سياسية مرسومة بخطوط تعبر عن اتجاهات وبرامج وأفكار. حتى فى معظم الدول الأكثر ديمقراطية فى عالمنا، تختفى هذه الخطوط بدرجات متفاوتة. ولكن ألمانيا مازالت، مع بريطانيا، الأكثر احتفاظا بخريطة سياسية حزبية يمكن التمييز فيها بين الاتجاهات والأفكار والبرامج المختلفة التى ترسم لوحة تستحق التأمل عشية الانتخابات البرلمانية التى ستجرى فى 24 سبتمبر الحالى. وكما فى بريطانيا، تحتل الاتجاهات المحافظة مساحة كبيرة فى الخريطة السياسية، وتظهر الفروق التى تفصلها عن الاتجاهات الليبرالية واضحة. ولا يخفى التحالف المستمر منذ فترة طويلة بين المحافظين والليبراليين فى ألمانيا هذه الفروق. كما أن ملامح الاختلاف بين الفريقين لا تضيع أو تتوه رغم اعتدال الاتجاهات الرئيسية فى أوساط المحافظين الألمان، وأهمها تلك التى يعبر عنها الحزب الديمقراطى المسيحى وزعيمته القوية أنجيلا ميركل. يختلف هذا الحزب، وحليفه المحافظ الحزب الاجتماعى المسيحى مع الليبراليين بشأن بعض الحقوق والحريات الفردية. الليبراليون لا يكونون كذلك إلا إذا آمنوا بتحرير الإنسان من كل القيود التى تُكبِّله. والمحافظون يدعمون الميل التحررى، ولكنهم يضبطونه بتقاليد وقيم اجتماعية يعتبرون بعضها أخلاقية. غير أن تقارب المحافظين والليبراليين في القضايا الاقتصادية والاجتماعية أتاح بناء تحالف قوى يتسع أيضا للاشتراكيين ( الحزب الديمقراطى الاشتراكى ) فى ظل الميل العام الى بناء توافقات سياسية واسعة تتيح تشكيل حكومات ائتلافية قوية وناجحة. ولكن هذه التوافقات, ونتائجها السياسية, لا تحول دون تحديد الخطوط الفاصلة بين المحافظين والليبراليين والاشتراكيين، رغم أنها صارت باهتة فى بلدان أخرى. وفضلاً عن ذلك, بلور الخضر في ألمانيا أنصار البيئة هوية خاصة بهم تُميِّزهم عن أحزاب واتجاهات تقدمية تعطى بدورها اهتماما ملحوظا لقضايا البيئة. أما اليمين المتطرف، ممثلاً فى حزب البديل من أجل ألمانيا فهو واضح بما يكفى. والخطوط التى تفصله عن الاتجاهات المحافظة والليبرالية والاشتراكية ظاهرة للجميع. وهذا اليمين أضعف فى ألمانيا منه فى دول أوروبية أخرى، وخاصة فرنسا، ولا يمثل رقما مهما فى الانتخابات الوشيكة التى يتوقع أن يتصدرها المحافظون مرة أخرى، وأن تقود إلى إعادة إنتاج الائتلاف الحاكم الآن، واستمرار التوازنات المستقرة فى البرلمان (البوندستاج).