بقلم د. وحيد عبدالمجيد
أقل ما يمكن أن نذكره عن الشيخ إمام عيسى فى الذكرى الحادية والعشرين لرحيله (7 يونيو 1995) أنه ظاهرة فنية – سياسية نادرة يصعب أن تتكرر لأسباب تتعلق به، وأخرى ترتبط بالظروف التى تحول فيها من مغن كلاسيكى لا يتميز إلا برفض الإسفاف إلى فنان ملتزم صار رمزاً للفن الاحتجاجى.
بدأ هذا التحول بعد قليل من أول لقاء جمعه مع زميل مشوار كفاحه الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم عام 1962، حيث كوَّنا ثنائياً كان الأكثر تعبيراً عن قضايا النضال الوطنى الديمقراطى وأهدافه على مدى عقود.
كانت أغنياته التى كتبها نجم هى صوت الحالمين بمصر جديدة حرة تتسع لكل أبنائها بمختلف اتجاهاتهم، وتخلو من القهر والظلم والاستعباد والفساد. وكان من الطبيعى أن يأتى الفقراء فى مقدمة من عبر صوت الشيخ إمام عن آلامهم وآمالهم، وهو الذى جاء – مثله مثل نجم، من أعماق البؤس الاجتماعى. .
ذاق مرارة الفقر المدقع فى حياة بلا مأوى لسنوات طويلة. وعندما وجد المأوى فى “حوش آدم” بالغورية، كان فى “شقة” بدت كما لو أنها مدفونة فى منطقة لم يطرأ عليها أى تغيير منذ قرون، ويتطلب الوصول إليها عبور زقاق مظلم وقنطرة قديمة، وهو الذى فقد البصر فى العام الأول من حياته. ولكنه امتلك بصيرة أتاحت له أن يرى ما لا يراه إلا قليلون.
بدأت ظاهرة الشيخ إمام تتشكل مع أول أغانيه السياسية التى كتبها نجم مثل “شيلنى وأشيلك”، و”يعيش أهل بلدى وغيرهم مفيش”. وكانت هزيمة 1967، التى زلزلت كيان المصريين، نقلة نوعية أخرى فى تشكل ظاهرة الشيخ إمام نحو اتجاه أكثر جذرية. فصارت أغانيه مُلهمة للملايين فى مصر وخارجها. ورغم الحصار الذى فُرض على شرائطه، ألهمت أغانيه الملايين وتجاوزت حدود مصر إلى كثير من البلاد العربية.
لم يكن فى إمكان أية قوة أن توقف تدفقه الهادر. زاده الاعتقال والحبس إبداعاً وتدفقاً. ويشعر من يسمع أغنية (أنا رحت القلعة وشفت ياسين) أنه يغنى بقلبه وروحه، وليس بحنجرته.
ولكن ظاهرة إمام هذه لم تأخذ حقها من البحث حتى الآن. مازالت فى حاجة إلى دراسة متعمقة يقوم بها علماء اجتماع ونفس وخبراء موسيقيون من أجل سبر أغوارها، ووضعها فى سياق الدور التاريخى الذى قام به الفن فى دعم نضال المصريين منذ أواخر القرن التاسع عشر.