بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم يتصور الراحل الكبير د. طه حسين، عندما أصدر مجموعته القصصية «المعذبون فى الأرض» عام 1951، أن عذاب الفقراء والمعدمين والمرضى الذين صور بقلمه مأساتهم ستتضاءل أمام هول ما يعانيه الشعب السورى كله تقريباً، واللاجئون منه بصفة خاصة.
وربما لم يتخيل أحد ممن اهتموا بقضية فلسطين على مدى عقود أن اللاجئين الذين شرَّدهم الكيان الصهيونى سيكونون ذات يوم أقل بؤساً من آخرين فى سوريا يهيمون على وجوههم هرباً من حرب جنونية كشفت الخواء الإنسانى فى عالم اليوم. كان اللاجئون الفلسطينيون هم الأكثر عدداً بين لاجئى العالم حتى سنوات قليلة مضت، قبل أن يتصدر اللاجئون السوريون القائمة التى تدين العالم، خاصة دوله الكبرى والأكثر ثراء.
لا يوجد تقدير دقيق لعدد الفلسطينيين المشرَّدين خارج وطنهم المحتل. ولكن المؤشرات تفيد بأنه لا يقل عن خمسة ملايين. العدد المسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى حدود مليونين ونصف المليون. ولكن الذين يعيشون فى مخيمات اللجوء أقل من ذلك. معظمهم فى الأردن ولبنان وسوريا، فضلاً عن الضفة الغربية. أما معظم الفلسطينيين فى الخارج فقد أصبحوا يعيشون حياة شبه طبيعية فى عدد كبير من بلاد العالم، وحقق بعضهم نجاحاً فى أعمالهم. وحصل كثير منهم على الحق فى الإقامة.
وهكذا أصبحت معاناة اللاجئين السوريين هى الأكبر كماً ونوعاً، سواء من يعيشون فى مخيمات أو من استطاعوا توفيق أوضاعهم بصعوبة فى البلاد التى لجأوا إليها. وقد لجأ معظمهم إلى تركيا، حيث يوجد نحو مليونين ونصف المليون لاجئ، ثم لبنان بعدد يقترب من مليونين، ويليه الأردن حيث يوجد نحو سبعمائة ألف. وفى مصر عدد يُعد كبيراً لأنه يتعدى المائة ألف (حوالى 120 ألفا على الأقل). كما استقبلت بضع دول أوروبية أعداداً محدودة متفاوتة أكثرها فى ألمانيا. واستضافت دول أخرى فى العالم أعداداً رمزية. ويُجسدَّ هؤلاء اللاجئون حالة العذاب فى الأرض فى أكثر صورها قسوة وإيلاماً, ويُعرَّون العالم الذى يتشدق بالقيم الإنسانية، ويُظهرونه على حقيقته.
وتكفىاوضاع مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين شاهداً على ذلك، إذ تعجز عن تدبير موارد لأداء الحد الأدنى من دورها التى أُنشئت عام 1951 من أجله، وتتهرب الدول التى تنفق مليارات الدولارات على التسليح من مساعدتها.