بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم أصدق للوهلة الأولى ما قرأته منشوراً فى إحدى الصحف الخاصة الصادرة يوم 7 مايو الجارى تحت عنوان: (مجلس النواب يعتبر «العنوسة» قضية أمن قومى). ولكننى وجدتُ خبراً متكرراً فى صحف ومواقع الكترونية عدة بصياغات مختلفة تفيد أن رئيسى اثنتين من لجان مجلس النواب يؤكدان ضرورة فتح ملف أزمة «العنوسة»، وأن أحدهما يراها قضية أمن قومى.
وإذا صح هذا الكلام، فهو يثير سؤالين0أولهما هل لدى البرلمان أي رؤية لأولويات عمله. فبغض النظر عن الحجم الحقيقى لما يُطلق عليه أزمة «عنوسة»، فهى لا يمكن أن تكون ضمن أولويات برلمان تنتظره مهام كبرى0 تكفى ضرورات تفعيل الدستور وإصدار القوانين المكملة له، وغيرها من التشريعات التى نص على سنها، فضلاً عن تعديل عدد هائل من المواد القانونية المتعارضة معه.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن هناك تشريعات أخرى تشتد الحاجة إليها لإنقاذ الاقتصاد المتداعى، يصبح الاهتمام بقضية العنوسة ترفاً يشبه -على سبيل المثال- أن يترك طبيب مرضاه مكدَّسين، ويتحول إلى «خاطبة» لبعض الوقت عبر اقناع أحد هؤلاء المرضى بالزواج بإحداهن.
أما السؤال الثانى فهو يتعلق بالنظرة إلى «العنوسة» فى هذا العصر. ويُفهم مما نُشر عن هذا الموضوع أن المقصود هو المفهوم الواسع الذى يشمل النساء والرجال على حد سواء، بخلاف النظرة الضيقة السائدة فى المجتمع الذى يرى قطاع واسع منه أن مشكلة العنوسة تخص المرأة وحدها. والسؤال هنا هو متى يكون لدينا برلمان يعمل وفق رؤية أكثر تقدماً، ويسهم فى تطوير المجتمع وليس فى تكريس واقعه المحافظ. فلم تعد «العنوسة» أزمة فى هذا العصر بفعل التحولات الاجتماعية والثقافية الواسعة التى مازال مجتمعنا فى معظمه بعيداً عنها.وينطبق ذلك على المرأة التى ينظر قطاع من مجتمعنا إليها نظرة سلبية حين يفوتها ما يسمى «قطار الزواج». فثمة ازدياد فى أعداد النساء اللاتى لا ينتظرن هذا القطار أصلاً فى الدول المتقدمة والساعية إلى التقدم، وخاصة الناجحات منهن فى عملهن.
كما يزداد وعى النساء فى هذه الدول بأن «ضل الحيطة» أفضل بكثير من الزواج إذا لم يجدن الرجال المناسبين لهن. ولم تعد المرأة التى تعى ذلك «عانساً» إلا فى مجتمعات لم تلتحق بالعصر الحديث. وإحدى وظائف البرلمانات فى مثل هذه المجتمعات أن تساعد فى تحديثها لا أن تكرَّس تخلفها.