بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تميزت الأهرام منذ تأسيسها بطابع خاص أسهم فى بلورته كل من تولى رئاسة إدارتها أو تحريرها، منذ تأسيسها صحيفةً صغيرةً وحتى اليوم. اختلفت إسهامات كل منهم حسب المرحلة التى عمل فيها، وظروفها، ووفقًا لطبيعة الصحيفة نفسها وما طرأ عليها من تطور.
وفى أجواء الذكرى الخامسة والأربعين بعد المائة لإصدار عددها الأول، نستذكر اثنين كان لكل منهما دور مميز, وربما استثنائى بشكل ما، وهما أنطون باشا الجُميل والأستاذ محمد حسنين هيكل.
فقد تولى كل من الجُميل وهيكل المسئولية عن الأهرام فى ظرف دقيق، واستمر لفترة أتاحت له أن يؤثر فى مسار تطورها (نحو 16 عامًا للجُميل، و17 عامًا لهيكل).
ورغم اختلاف طبيعة الصحيفة والمرحلة والظروف، جمعت الجُميل وهيكل قواسم مشتركة تلفت الانتباه. كان لدى كل منهما رؤية لتطوير الصحيفة فى زمنه، ونجحا فى مهمتهما، وإن كان إنجاز هيكل أكبر. وجمع كل منهما حوله، وفى الأهرام، أبرز الصحفيين وأهل الفكر فى زمنه. ولكن المفارقة أن الجُميل الذى كان أديبًا فى الأصل اشتغل بالعمل السياسى المباشر وانتُخب عضوًا فى مجلس الشيوخ لعدة دورات، بينما لم يدخل هيكل هذا المجال إلا لفترة قصيرة تولى فيها وزارة الإعلام مُكرهًا بسبب إلحاح الرئيس الراحل عبد الناصر عليه. ولكن أثره فى السياسة المصرية، رغم ذلك، كان أكبر كثيرًا من الجُميل.
كان كُثر فى مصر وخارجها ينتظرون مقال هيكل (بصراحة) يوم الجمعة، اعتقادًا فى أنه يعبر عن تفكير عبد الناصر0 أما الجُميل فكان الاهتمام بمقالاته فى الأوساط الثقافية بالأساس. ورغم اختلاف أسلوبيهما، فقد اتسمت كتابة كل منهما بالأناقة والرصانة والعُمق. كما ألف كل منهما كتبًا عدة. أصدر الجُميل مسرحيات وكتبًا سياسية وثقافية. ونشر هيكل كتبًا سياسية يُعد بعضها من أهم ما يُرجع إليه لمعرفة أو دراسة أحداث كبرى.
ولكن الفرق أن أهم كتب الجُميل صدرت قبل توليه رئاسة الأهرام. أما أهم كتب هيكل فقد نُشرت بعد أن ترك الأهرام، خاصةً بعد أن بات يكتب أعماله بالإنجليزية والعربية. وهذه تجربة مثيرة نعود إليها فى اجتهاد لاحق.