توقيت القاهرة المحلي 23:30:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل تستطيع المعارضة السورية تغيير منهجها؟

  مصر اليوم -

هل تستطيع المعارضة السورية تغيير منهجها

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

 أضاعت المعارضة السياسية السورية وقتاً طويلاً في البحث عن نقطة توازن بين التمسك بمرجعيات دولية يعود أساسها إلى بيان جنيف الأول في 2012، ومحاولة بلورة مواقف تتماشى جزئياً مع تغير حدث في ميزان القوى على الأرض في السنوات التالية.

أخذت المسافة بين ثوابت المرجعيات ومتغيرات الواقع تزداد، من دون أن تتمكن من العثور على نقطة التوازن الصعبة التي ظلت تبحث عنها. توسعت الفجوة بين ما تسعى إلى الحفاظ عليه، وما باتت مضطرة للتخلي عنه، وبلغت اليوم مستوى ينذر بإخراجها من المشهد في حال تمكنت روسيا من وضع الأساس لإطلاق عملية سوتشي، بعد أن نجحت قبل عام في فتح مسار آستانة.

جديد روسيا، الذي تسعى إلى وضع أساسه في اليومين المقبلين، أن تصبح سوتشي بديلاً من جنيف التي أدى مسار آستانة وظيفته في إظهار عدم جدواها. وبغض النظر عن قيمة مخرجات مؤتمرات آستانة، فقد تميزت بحركية دينامية افتقرت إليها مؤتمرات جنيف الأخيرة التي باتت تبعث على السأم، فضلاً عن الإحباط.

وهكذا باتت المعارضة السورية في وضع يتطلب منهجاً جديداً في إدارة الصراع، أي نمطاً مختلفاً للتفكير في مكوناته، وفي التعاطي مع أطرافه، وإبداء مرونة تكتيكية قد تفيد في إنجاز شيء من أهداف الثورة في النهاية.

لم يعد مجدياً الرهان على قوى دولية وإقليمية تُغير مواقفها أحياناً بأسرع مما يُبدّل قادتها ملابسهم. وما الأهداف الخمسة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي تيلرسون في 17 الجاري، ومن بينها حل سياسي من دون بشار الأسد، إلا حلقة في سلسلة مواقف تتبخر بعد إعلانها. وليس متصوراً أن المعارضة السورية لا تعرف أن من يراهن على الولايات المتحدة وتركيا يشبه من يلتحف السماء. لكنها لا تجد خياراً آخر، لأن البحث عنه لا بد أن يبدأ بتغيير منهجها عبر إجراء ثلاث مراجعات مترابطة.

الأولى، مراجعة موقفها المعادي لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، ومسألة فيديرالية الشمال التي تقوم على إدارات ذاتية، وكذا إزاء القضية الكردية بوجه عام. هذا الموقف هو الوحيد، بين مواقف المعارضة، الذي يقترب من موقف نظام الأسد.

لكن هذا التقارب ليس إلا مؤشراً واحداً إلى خطأ كبير أضاف معركة لا لزوم لها إلى معارك ضرورية عدة خاضتها المعارضة، وحرمها فرصة لتدعيم موقفها عبر تفاهم مع حزب أثبت أنه لا يحمل مشروعاً تقسيمياً، بل يهدف إلى تأسيس نظام اتحادي (فيديرالي) يُفترض أن يسعى إليه كل من يتطلع إلى الديموقراطية ومشاركة السوريين في إدارة شؤونهم فعلياً. كما أن موقف المعارضة هذا قد يُشكّك في مدى إيمانها بديموقراطية باتت مستحيلة في ظل أي حكم مركزي يستطيع إعادة بناء ركائز الاستبداد التي أُقيمت على مدى عقود.

معلوم أن اعتماد بعض أطراف المعارضة وقادتها على تركيا يُمثّل قيداً عليها، ويُوظّفها في معارك الرئيس أردوغان وصفقاته المكشوفة والمستورة في آن، ويُشرك بعض فصائلها في غزوات تُراق فيها دماء أهلهم كما يحدث في عفرين الآن. غير أن القيد الأشد هو الموقف العدائي الموروث ضد حقوق الأكراد، والمنهج أو نمط التفكير المرتبط به. وفي حال تغيير هذا المنهج، يمكن أن تجد المعارضة سبلاً لتجاوز القيد التركي، مثل تولّي أطرافاً لا تعتمد على أنقرة مهمة التواصل وبناء تفاهمات مع حزب العمال الديموقراطي، في إطار نوع من تقسيم العمل الخلاَّق، تمهيداً لتبني موقف جديد معلن تجاهه في الوقت المناسب.

ويُفترض أن تقترن هذه المراجعة بثانية تهيئ للانتقال من الخطاب العام الذي يطالب بالالتزام بالمرجعيات الدولية، ويُعاد إنتاجه منذ سنوات من دون تجديد يُعتد به، إلى برنامج تفصيلي يتضمن الأسس التي يقوم عليها نظام سياسي جديد. والعلاقة وثيقة بين المراجعتين لأن تغيير نمط التفكير الموروث في القضية الكردية يقترن بالضرورة بتبنّي صيغة فيديرالية.

غير أن المعارضة لا تزال معنية بآليات الانتقال السياسي أكثر من طابع النظام الذي ينتج من هذا الانتقال، ومقوماته، وبتأكيد ضرورة استبدال نظام الأسد أكثر من بلورة الأسس التي يقوم عليها نظام جديد.

وفي حال إقدام المعارضة على التفكير جدياً في مقومات نظام ديموقراطي فيديرالي قد تخلص إلى أن ميزان القوى، الذي لا يسمح بتغيير النظام الحالي الآن، لا يحول دون الشروع في هذا التغيير تدريجياً عبر منهج جديد أكثر واقعية، وبرنامج محدد يمكن التفاوض عليه مع روسيا مهما كانت المرارات تجاه سياستها. وفي موسكو من يعرفون أن أي حل سياسي لن يصمد، وأن مصالحها في سورية ستكون مُهدَّدة، إذا لم تتحقق مشاركة واسعة في التوصل إلى هذا الحل. كما يعلم من يدرسون سياستها أن خطواتها في سورية كلها تكتيكية وقابلة للتغيير. وتستطيع المعارضة في حال تبنيها برنامجاً واقعياً أن تختبر موقف موسكو التي تبرر سياستها في سورية بعدم واقعية المعارضة.

وفي حال تأسيس هذا البرنامج على خطة لإقامة نظام ديموقراطي فيديرالي، تستطيع المعارضة التفاوض مع موسكو - التي كانت أول من طرح مسألة الفيديرالية – سعياً إلى تفاهم على أن تكون الأولوية مطلقة لإجراء انتخابات محلية أو بلدية في المناطق التي تتوافر فيها إمكانات هذه الانتخابات، تحت إشراف دولي، على أن يقترع النازحون في أماكن وجودهم الراهنة، لانتخاب إدارات ذاتية موقتة.

وسيكون موقف المعارضة في هذه الحال أقوى، ليس لواقعيته فقط، ولكن لمنطقيته أيضاً. فأياً تكن الصعوبات أمام انتخاب إدارات ذاتية، فهي لا تُقاس بمستحيلات تواجه إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية في الوضع الراهن. كما أن أي خسارة تترتب على خيار الانتخابات المحلية لا تُقاس بمصائب إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بموجب تعديلات دستورية شكلية تضفي شرعية زائفة على النظام. كما أن انتخاب إدارات ذاتية محلية موقتة يمكن أن يُحقّق هدفين لا بأس بهما. الأول، تواصل المعارضة السياسية مع بعض هذه الإدارات، لتدعيم حضورها في الداخل. والثاني، وضع البنية الأساسية لحل سياسي يرتكز على حوامل فعلية ترفعه، وليس على أوهام انتصار يخدع نفسه قبل غيره من يزعم أن نظام الأسد وحلفاءه حققوه.

فهل تستطيع المعارضة تغيير منهجها، وإجراء مفاوضات في العمق مع موسكو التي تبحث عن مخرج، لكنها تسلك حتى اليوم طرقاً ملتوية لا تقود إلى حل صراع يمكن أن تبقى، مثل غيرها، أسيرة تداعياته لفترة طويلة؟

نقلا عن موقع الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تستطيع المعارضة السورية تغيير منهجها هل تستطيع المعارضة السورية تغيير منهجها



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 20:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد السقا يكشف عن أحلام طفولته
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن أحلام طفولته

GMT 06:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
  مصر اليوم - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 21:04 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

فيسبوك يوسع نطاق خدمة الأخبار المحلية

GMT 03:12 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يعلن عن أسباب تسوس الأسنان

GMT 11:40 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

"زيزو" ينفي وجود أي مفاوضات للتجديد للبدري

GMT 09:34 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الألواح الملوّنة يمكنها توفير %20 من الطاقة للمباني

GMT 13:43 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فلكي مصري يتنبأ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة

GMT 04:16 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

إيساف ومحمد رشاد يكشفان جديدهما في "سنة تانية غنا"

GMT 02:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عقار جديد لفقدان الوزن بنفس فعالية حمية أتكينز

GMT 07:55 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن محور الحفلة الدولية لـ " Met Gala "

GMT 07:39 2022 السبت ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يتابع كولر بحضوره المران للأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon