د. وحيد عبدالمجيد
من أهم ما نُسب إلى رئيس الوزراء الجديد المهندس إبراهيم محلب حول تجربته فى مشاورات تشكيل الحكومة قوله إن هذه المشاورات كشفت أن «البلد ضاع منها الحب» وفق ما نُقل عنه.
وليس فى هذا الكلام اكتشاف جديد، ولذلك نأمل أن يكون اهتمام رئيس الوزراء به, فى بداية مهمته التى نتمنى له التوفيق فيها، مقترنا برؤية لمعالجة الأسباب التى أدت إلى وضع يشبه بل لعله أخطر مما قصده الفيلسوف الإنجليزى هوبز حين طرح فكرة «حرب الكل ضد الكل» فى المجتمع.
فقد تحول المجتمع إلى «ساحة حرب» يحاول كل مصرى أن يحقق هدفه فيها على حساب مواطنين آخرين بأى وسيلة مشروعة أو غير مشروعة نتيجة سياسات اقتصادية واجتماعية وأمنية اتبعها نظاما الرئيسين الأسبقين السادات ومبارك، ويُعاد إنتاج الكثير منها الآن.
فعندما تفتح السياسات العامة أبواب الفساد والوساطة والمحسوبية وتعتمد على الولاء وليس الكفاءة، وتؤدى إلى تناقضات طبقية صارخة، وترتبط بتمييز بين المواطنين بينما ينص الدستور على مساواتهم فيه، يحدث تغير تدريجى ينسق القيم السائدة. ولذلك أخذت أسوأ القيم فى الانتشار منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى بدءاً بأخطر رسالة يمكن أن تصل إلى المواطن من خلال سياسة دولته بل عبر خطاب رئاسى شبه مباشر وهى أن باب الإثراء صار مفتوحاً بلا ضوابط قانونية أو أخلاقية.
وكانت نتيجة هذا التحول أن المجتمع صار محكوماً بعدد من أسوأ القيم وأكثرها خطراً مثل الفهلوة والسمسرة فى كل شىء والطمع والخوف والكراهية. وعلى مدى نحو أربعة عقود من الزمن، تغير المجتمع الذى عاش فيه المصريون قبلها، واختلفت القيم وأنماط العلاقات الاجتماعية التى تشكلت منذ دخول مصر العصر الحديث فى بداية القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن الماضى.
وهذا هو ما ينبغى أن يعرفه المهندس محلب. فالمشكلة تعود إلى سياسات أكسبت المجتمع طابعه المؤلم الراهن، وليس إلى سوء أخلاق أو قلة تربية. وفى إمكان رئيس الوزراء أن يبدأ فى تصحيح ما أفسدته السياسات المتبعة منذ أربعة عقود إذا شرع فى تغيير هذه السياسات وهذا أحد الشروط اللازمة لبناء مصر جديدة.
نقلاً عن "الأهرام"