د. وحيد عبدالمجيد
مؤلم جداً ما نفعله فى أنفسنا ووطننا نتيجة ميراث ثقيل من الانغلاق الفكرى والجمود العقلى مازلنا نحمله على كاهلنا. ففى الوقت الذى يقدم الشعب والجيش والشرطة تضحيات كبيرة فى مواجهة الإرهاب,
تتواصل السياسات والممارسات المنتجة للتطرف الذى يوفر البيئة الحاضنة لهذا الارهاب. فهل نتخيل أن فى امكاننا إلحاق هزيمة حاسمة بالإرهاب فى الوقت الذى نفرض قيوداً تحول دون تنوير المجتمع الذى يتغذى هذا الإرهاب على ظلام ثقافى يحجب نور العقل عنه؟
وكيف نتصور أن هذا النور يمكن أن ينتشر بدون مناخ يشجع أفكاراً حديثة تحررية منيرة بدلا من التفسيرات المتطرفة للدين والمنافية لصحيحه؟ فلا يكفى اللجوء إلى إجراءات بيروقراطية لم يغير مثلها نتائج تُذكر فى هذا المجال، مثل سيطرة وزارة الأوقاف على المساجد والزوايا، فضلاً عن أن هذه مهمة مستحيلة وليست صعبة فقط فى بلد مترامى الأطراف.
وحتى بافتراض أن هذه الإجراءات ستمنع تدفق الخطاب الديني المتطرف وغزوه لعقول صبية صغار لم يتأثروا به من قبل، فما الذى نفعله مع ملايين استوطن هذا الخطاب فى عقولهم أو استعمرها.
وهل يمكن أن نحرر بعض هذه العقول من الظلام الذى يعشش فيها بدون إطلاق حرية الإبداع والفكر والفن التي لا بديل عنها لخلق أجواء تبعث على استخدام العقل. فيما خلقه الله من أجله وهو التفكير والتفكر؟ وهل نستطيع أن نأمل فى شىء من ذلك، ونحن نحافظ على بنية تشريعية بائسة تُجَّرم الإبداع والأدب والفن فى تناقض كامل مع الدستور. ولم يكن الحكم بحبس الأديب كرم صابر قبل أيام بتهمة مطاطة غير محددة هى «ازدراء الأديان»، إلا استمراراً لسياسات مازلنا نعانى نتائجها المشجعة للتطرف الذى نتج الإرهاب. وقل مثل ذلك عن الامتثال لـ «تعليمات» بعض الشيوخ المتشددين الذين فرضوا منع عرض فيلم «سفينة نوح»، وكأننا فى دولة دينية تحكمها سلطة أعلى من مؤسسات الدولة الدستورية على النمط الإيرانى.
وإذا عرفنا أن هذا الفيلم الممنوع يدعم فكرة الإيمان الدينى بشكل عقلانى تشتد حاجتنا إليه، وأن الرواية المجرَّمة تحث على التفكير العقلانى، يمكن أن ندرك حجم مأساتنا فى دولة مازالت تشجع ضمنياً العوامل المغذية للإرهاب من ناحية وتخوض حرباً معلنة ضده من الناحية الأخرى!
نقلاً عن "الأهرام"