د. وحيد عبدالمجيد
يا له من أمر مخجل أن يصنع سويديون، وليس مصريون، فيلماً وثائقياً رائعاً عن علاقة فن “الجرافيتى” الذى ازدهر منذ ثورة 25 يناير بالحراك الثورى.
ولكن الأكثر مدعاة للخجل هو ألاّ يستحى أحد ممن كان واجباً عليهم أن يصنعوا مثل هذا الفيلم وغيره من الأشكال الفنية ذات الصلة بالثورة.
يرد الفيلم، الذى صنعه منتجو سلسلة الأفلام الوثائقية السويدية التى تحمل عنوان “الثقافة فى المناطق المضطربة”، على الزعم الكسول لكثير من الفنانين المصريين الذين يهربون من مسئوليتهم بادعاء أنه لا يمكن إنجاز أعمال فنية ذات صلة بالثورة إلا بعد مرور فترة من الزمن.
صوّر هذا الفيلم ما تيسر من رسومات “الجرافيتى” التى أزالت سلطات متعاقبة لا تؤمن بفن ولا حرية ولا إبداع معظمها بغلاظة وجلافة شديدتين تثيران التساؤل عما إذا كانت هذه هى مصر التى عرفها العالم رائدة للفن والإبداع فى منطقتها منذ منتصف القرن التاسع عشر. وأوضح الفيلم كيف محا الصبغ الأصفر الذى يرمز للتصحر رسومات صنعتها قلوب خضراء كانت مملوءة بالأحلام ومشاعر وطنية حقيقية لا تشبه الصياح والصراخ اللذين يملآن الساحة الآن باسم وطنية يجرى توظيفها لأغراض منبتة الصلة بها.
كما سجل هذا الفيلم، بكل أسف وألم، مطاردة ثلاث سلطات متعاقبة لفنانى “الجرافيتى” المبدعين الحالمين بالحرية والكرامة. وأكثر ما يدعو للأسف على صورتنا فى العالم أن يضطر أحد فنانى “الجرافيتى” الذين التقاهم صانعو الفيلم إلى الظهور باسم مستعار خوفاً من ملاحقته والقبض عليه لا لشئ إلا لكونه فناناً يؤمن بحرية الشعب والوطن ويقوم بدوره الطبيعى – كفنان ملتزم – فى مقاومة الظلم والتسلط.
وإذا كان لنا، أو علينا، أن نستخلص دلالات رئيسية لهذا الفيلم فهى أنه كشف مدى كسل أهل الفن فى بلادنا، بمن فيهم الثوريون الذين تقدموا الصفوف انتصاراً لحرية الشعب، وأكد فى الوقت نفسه ارتفاع مستوى “الجرافيتى” المصرى على نحو يتيح لنا الفخر به فى الوقت الذى يعتصرنا الألم لما يتعرض له ولانصراف فنانينا عن مسئوليتهم فى صنع أعمال ذات صلة بالثورة الآن وليس فى مستقبل غير معلوم.
"الأهرام"