د. وحيد عبدالمجيد
قدم حزب الدستور نموذجاً فى الممارسة الديمقراطية داخله مرة أخرى عندما اتخذ قراره تجاه الانتخابات الرئاسية بالأغلبية التى أيدت حمدين صباحي، ولم يخف وجود اتجاه آخر مؤيد لعبد الفتاح السيسي0 وتمثل هذه الشفافية أرقى مستويات الممارسة الديمقراطية فى العصر الراهن.
غير أن أحزاباً أخرى لم يصل إلى علم قادتها أنه لا ديمقراطية بدون شفافية فى عصر السماوات المفتوحة. ولذلك فعندما نُشر أن الرمز الوفدى محمد عبد العليم داود حرر توكيلاً لحمدين صباحي، أسرع متحدث باسم الوفد إلى إعلان أن هذا موقف شخصى لأن الحزب يؤيد عبد الفتاح السيسي، وكأنه يستنكر وجود أكثر من اتجاه رغم أن هذا هو الوضع الطبيعي.
فليس هناك حزب موحد تماماً فى هذا العصر إلا الأحزاب الفاشية التى تقوم على الطاعة الكاملة سواء على أسس دينية أو وطنية. فلم يعد ممكناً الآن إعادة إنتاج الحزب على صورته التى كانت سائدة عندما عرف الأوروبيون الأحزاب فى عصر الثورة الصناعية. كان الحزب هو قاطرة التطور السياسي، مثلما كانت الصناعة هى محرك التقدم الاقتصادي. ولما كانت الصناعة فى أبسط تعريف لها هى خطوط إنتاج سلعي، كانت الأحزاب بدورها خطوط إنتاج “بشري”. وكما كان خط الإنتاج الصناعى ينتج وحدات متشابهة من السلعة، كذلك كان “خط الإنتاج الحزبي” يصهر الأعضاء إيديولوجياً أو سياسياً.
غير أن ثورة الاتصالات والمعلومات غيرت كل شيء، بما فى ذلك الصناعة والحزب. و أصبح مستحيلاً تصور أن يتفق أعضاء أى حزب على كل شيء. ولذلك صار الاعتراف بالتعدد والتنوع فى إطار التوجه العام للحزب شرطاً ضرورياً للحفاظ على تماسكه. فإذا حاولت قيادة أى حزب فرض موقفها على الأعضاء جميعهم، فلابد أن يحدث انقسام فانشقاق. ويتطلب ذلك قدراً كبيراً من المرونة لدى قيادة الحزب وأعضائه على حد سواء. وهذا هو ما ينبغى إدراكه من جانب أحزاب مازالت عاجزة عن تحديد موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، إما خوفاً من ظهور أنها ليست موحدة أو خشية غضب الأقلية عندما يأخذ الحزب باتجاه الأغلبية.
"الأهرام"