د. وحيد عبدالمجيد
تثير شهادة زكريا عزمى فى قضية رشوة زعماء أفارقة، التى كشفها الزميل عمرو سعد الدين بنشرها فى صحيفة «اليوم السابع»، تساؤلات جديدة عن عملية صنع السياسة الخارجية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
ففى غياب الديمقراطية تفتقد هذه العملية بعض أهم مقومات نجاح السياسة الخارجية مثل المؤسسية والشفافية، وتزداد احتمالات فشلها الذى قد يلحق أضرارا فادحة بالمصالح الوطنية العليا والأمن القومى.
فقد استهانت السياسة الخارجية فى عهد مبارك بالأخطار الكامنة فى ملف حوض النيل، رغم أن الدلائل عليها أخذت فى الظهور خلال السنوات الخمس الأخيرة فى هذا العهد. واعتمدت هذه السياسة على وسائل بدائية وفاسدة منها رشوة بعض رؤساء ورؤساء حكومات دول حوض النيل على النحو الذى كشفت شهادة زكريا عزمى تفاصيله الدقيقة.
كانت هناك معلومات لدى باحثين وخبراء عن هذه الطريقة البدائية فى إدارة أزمات كبيرة ومعقدة. غير أنه لم يكن ممكناً التثبت منها بشكل يقينى إلى أن أكدها زكريا عزمى فى شهادته، حيث قال إن مبارك طلب من محافظ البنك المركزى عام 2009 مبلغ 4 ملايين دولار، لتوزيعها على بعض القادة الأفارقة. وكان عزمى هو من وزعهم على ثلاثة منهم كان أحدهم فى القاهرة والثانى فى شرم الشيخ والثالث خارج مصر.
وفضلاً عن الفساد الواضح من شهادته التى توضح أن المبلغ المذكور لم يُسجل فى أي ورقة رسمية من أوراق الدولة، فقد كانت هذه الطريقة البدائية أحد أهم عوامل المأزق الخطير الذى يواجهنا الآن حيث أصبحت مصر مهددة جدياً بالعطش للمرة الأول فى تاريخها.
ففى الوقت الذى كانت مقدمات هذا المأزق تتراكم، اعتقد مبارك أن رشوة بعض القادة الأفارقة تكفى للحفاظ على حقوق مصر المائية. ولم يدرك، بحكم منهجه فى إدارة السلطة، أن الاتفاقات الشفوية السرية معهم لا قيمة قانونية أو سياسية لها.
ولذلك ينبغى أن نستوعب جيدا هذا الدرس الذى يفيد أن السلطة المطلقة هى مفسدة مطلقة تلحق الضرر بالمصالح الوطنية وتعرَّض حياة الشعوب للخطر.