د. وحيد عبدالمجيد
يشعر من قرأ أعمال الكاتب الألمانى المشهور فريدريك نيتشه المعادية للعقل والعقلانية أن مطرقته التى استخدمها بشكل رمزى فى هذه الأعمال هوت على العقل المصرى خلال عام2014, الذى بدأ بمؤامرة الشخصية الكرتونية أبلة فاهيتا واختتم بخرافات مدهشة عن انتشار الالحاد وهجمة سلطوية عشوائية يزعم الضالعون فيها والمتواطئون معها أن العقيدة فى خطر مثلما يحدث فى الدول الدينية.
لم يكن العقل المصرى معرضا لخطر من هذا النوع منذ أن بدأ اتصالنا بالعصر الحديث فى مطلع القرن التاسع عشر عندما جرت المحاولة الأولى لبناء دولة بالمعنى المعروف فى هذا العصر فقد جلب التطرف المستتر وراء الدين تطرفا مضادا يرتدى لباس الوطنية ويستخدم خطابا دينيا فى الوقت نفسه، بينما هما فى الواقع منبتا الصلة بما يرفعان شعاراته.
وتكفى أية عينة ممثلة كانت أو عشوائية مما يدور حوله النقاش فى الجدل العام لإدراك المدى الخطير الذى بلغه هذا الخطر، فالمضمون الذى يخلو من أى أثر للتفكير من حيث هو تفكير، ناهيك عن أن يكون منهجياً ومنطقياً، مصبوب فى شكل يخلو من اللياقة فى كثير من الأحيان.
وفى غياب أفكار ورؤى وتصورات موضوعية إلا قليلاً، يتحول ما يُفترض أنه نقاش إلى ما يشبه حرب الكل ضد الكل0 وتبدو محنة العقل، والحال هكذا، تعبيراً عن حالة نيتشوية صارخة رافضة لكل، ما هو عقلانى أو مرتبط بالعقل.
ولذلك يتخيل من يعرف الأثر الذى أحدثه فكر نيتشه فى العالم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أن مطرقته التى حطم بها ما اعتبره أوثاناً فى السياسة والفلسفة والأخلاق فى أعماله- وأهمها ولادة التراجيديا وهكذا تكلم زوادشت وغروب الأوثان- تهوى على عقلنا مثلما هوت من قبل على عقول شعوب كانت أكثر تقدماً فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها فى النصف الأول من القرن العشرين.
فكل ما سعى نيتشه إلى تحطيمه فى السياسة والفلسفة والأخلاق هو ما يتصل بالعقل منذ الفكر الإغريقى القديم إلى فكر التنوير الحديث.
كان نيتشه باحثاً عن السوبرمان فى كل إنسان. ولكن مجمل أفكاره خلقت إنساناً عدوانياً رافضاً من يختلف معه فى مجتمع يعبد القوة ويمجد الخرافات، ولذلك صارت مطرقته رمزا لتدمير العقل فى حالات مشابهة لتلك التى نمر بها الان.