بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
مرحلة غير مسبوقة هذه التى يمر بها العالم اليوم. تراجع كبير فى مسار التقدم الذى بدأت إرهاصاته فى عصر النهضة الأوروبية منذ القرن السادس عشر، وحقق أول تحول كبير مع انتشار قيم التنوير وأفكاره فى القرنين 18 و19، واستمر مع توسع نطاق الحداثة فى القرن العشرين.بعض أهم قيم التقدم الذى تحقق على مدى تلك الفترة يتراجع الآن، خاصة الحرية والمساواة. قيمة الإنسانية نفسها فى أسوأ حالة منذ قرنين على الأقل. الضمير الإنسانى يضيق يوماً بعد يوم، والمواقف والاتجاهات الدالة عليه تنحسر.
ولكن فى مقابل هذا التراجع، تتوارى تقاليد وقيم قديمة ظلت مستعصية على التقدم الذى شهده العالم فى القرون الأخيرة. مثالان أمامنا الآن فى بريطانيا واليابان، حيث يتخلى القصر الملكى الإنجليزى عن تقليد قديم يمنع، أو يمانع فى, زواج أمراء وأميرات من عامة الناس، ويقبل تنازل الإمبراطور الحالى أكيهيتو عن العرش فى إبريل 2019.جديد بريطانيا أكثر أهمية من اليابان، لأن تنازل إمبراطور عن العرش حدث من قبل، ولكن منذ قرنين. وأهم ما فى هذا الجديد استحداث قانون يُنَّظم تقاعد الإمبراطور للمرة الأولى.
أما جديد بريطانيا فهو انتهاء تقليد شديد المحافظة بشأن زواج الأمراء والأميرات، وتجاوز نظرة «دونية» إلى عامة الناس دفع ملك سابق ثمناً غالياً لها عندما اضطر إلى التخلى عن العرش عام 1936.فقد أثار زواج الملك ادوارد الثامن من سيدة أمريكية عادية ومطلقة مرتين (واليس سمبسون) غضباً شديداً فى أوساط العائلة الملكية، وكذلك الكنيسة البريطانية، مما فرض عليه التخلى عن العرش بعد 11 شهراً على اعتلائه. كما اضطرت الأميرة مارجريت شقيقة الملكة الحالية إلى إنهاء زواجها من ضابط فى القوات الجوية ( بيتر تاونسند) للسبب نفسه عام 1956.
ولذا يُعد احتفاء القصر الملكى وترحيبه بخطوبة الأمير هارى حفيد الملكة، والوريث الخامس للعرش، والممثلة الأمريكية ميجان ماركل تقدماً كبيراً، خاصة أنها مختلطة عرقياً، فضلاً عن أن أمها أمريكية من أصل إفريقى. وكان مشهد الأمير هارى وخطيبته دالاً على أهمية هذا التحول عندما احتشد مئات للترحيب بهما فى زيارتهما إلى مدينة نوتنجهام فى بداية الشهر الحالى، فى طقس شديد البرودة.