بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
منذ أن بدأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى الحديث عن إجراءات جديدة بشأن العلمانية فى أواخر العام الماضى، لم يتوقف الجدل حول ماهية هذه الإجراءات. ولعل أهم ما فى هذا الجدل التكهنات حول تعديل قانون العلمانية الصادر عام 1905، وهل تؤدى إلى تغيير صيغتها التى تُعد الأكثر وضوحاً فى مجال الفصل بين الدولة والدين، وما الذى يمكن أن يسفر عنه هذا التغيير.
ومن المفارقات فى هذا الجدل أن تعديل قانون العلمانية يثير قلق اتجاهين على طرفى نقيض، وهما بعض الجماعات الدينية الإسلامية المسجلة بصفتها جمعيات ثقافية، وبعض المنظمات العلمانية سواء فى فرنسا مثل اللجنة الجمهورية العلمانية، أو دولية مثل الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية.
وبينما يخشى إسلاميون يعيشون فى فرنسا فرض قيود أو وضع ضوابط جديدة تؤثر فى حرية الحركة التى تتمتع بها جمعياتهم، وإخضاعها لمراقبة مالية أكثر تشدداً، يرفض علمانيون أى مساس بقانون العلمانية، ويرى بعضهم أن سلطة الدولة لا يحق لها تنظيم العبادة والممارسات الدينية، بينما يذهب آخرون منهم إلى أن أى ضوابط لمواجهة التعصب والتطرف يجب اتخاذها من خلال القانون المنظم لعمل الجمعيات، وليس قانون العلمانية.
غير أن الارتباط المرجح بين الاتجاه إلى تعديل قانون العلمانية، والرغبة فى وضع ضوابط للنشاطات الدينية فى المجال العام، يعنى أن هذا التعديل سيكون بعيداً ــ إذا حدث ــ عن جوهر النظام العلمانى الذى يقوم على أن الدولة محايدة تجاه الأديان، وتقف على مسافة متساوية منها، ولا تتبنى أو تدعم أو تمول أى دين، فضلاً عن التزامها بحماية حرية الاعتقاد، وحظر أى نوع من الإكراه الدينى. تعديل قانون 1905 ليس أكيداً حتى الآن لما يحظى به من مكانة جعلت التنظيم الذى وضعه للعلاقة بين الدولة والدين موضع احترام كامل دون نص دستورى، إذ لم يُدرج هذا التنظيم فى الدستور الفرنسى إلا عام 1958.
وربما يكون إصدار قانون جديد يتضمن ضوابط تحويل الجمعيات التى تمارس نشاطات دينية، ويضع معايير تحدد الفرق بين الجمعية الثقافية والجمعية الدينية، بديلاً عن تعديل قانون العلمانية.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع