توقيت القاهرة المحلي 06:00:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضحالة أميركية وضيق أفق روسي

  مصر اليوم -

ضحالة أميركية وضيق أفق روسي

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

 تبدو السياسة الروسية في الشرق الأوسط أكثر احترافاً ومهنية مقارنة بالسياسة الأميركية في الوقت الراهن. وهذا فرق يجدر الانتباه إليه في تفسير التغير الذي حدث في ميزان النفوذ بين واشنطن وموسكو، وفي كيفية تعاطيهما مع مستنقعات الشرق الأوسط.

استعاد الروس مساحات خسروها في فترات سابقة، وأضافوا إليها. وخسر الأميركيون بعض مساحات نفوذهم الذي غطى المنطقة كلها إلا قليلاً حتى سنوات قليلة مضت.

لم يحسم هذا الفرق التنافس لمصلحة موسكو، ولا يبدو أنه سيفعل في أي مدى منظور، لأن ضيق أفق صانعي سياستها يحسم من أرصدة تفوقها المهني، كما ظهر واضحاً في الإعداد لمؤتمر سوتشي، وفي طريقة إدارته. ضحالة السياسة الأميركية، إذاً، تُمكّن موسكو من إمساك مفاصل الأزمة السورية، ولكنها لا تكفي لوضع أسس حل سياسي. يعرف مسؤولون روس عن هذه الأزمة أكثر من نظرائهم الأميركيين الذين يُظهر خطابهم ضحالة وسطحية. أية مقارنة بين تصريحات الرئيسين بوتين وترامب، أو وزيري الخارجية لافروف وتيلرسون، تدل على ذلك.

بدأ هذا الفرق في الظهور قبل أن يتولى ترامب الرئاسة في مطلع العام الماضي. لكنه توسع في العام الأخير. ازدادت المسافة بين أداء البيت الأبيض والكرملين، وتوسعت الفجوة بينهما بفعل الارتباك الداخلي الذي أحدثه ترامب في مؤسسات صنع القرار، وليس في المجتمع فقط. غادر كثير من أصحاب الكفاءات مواقعهم في وزارات عدة، ومن بينها وزارة الخارجية التي لا يزال عدد كبير من وظائفها شاغراً.

وكثيرة الدلائل على ضحالة السياسة الخارجية الأميركية إلى حد يبدو صانعوها هواةً غير ملمين بكل ما ينبغي أن يعرفوه في الأزمة السورية خصوصاً، وأزمات المنطقة عموماً، ومترددين لا يعرفون في بعض الحالات كيف يتصرفون، ومتناقضين في ما بينهم حيناً، وفي مواقف هذا أو ذاك منهم حيناً آخر.

غير أن إعلان المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون في 14 الشهر الماضي البدء بإنشاء قوة حدودية قوامها ثلاثون ألف مقاتل غالبيتهم من الأكراد، لترابط في منطقة بين سورية وتركيا والعراق، يبدو نموذجاً يمكن أن يتعلم طلاب العلاقات الدولية منه التمييز بين الهواية والاحتراف. يعرف الجميع أن واشنطن تدير التحالف الدولي وتحدد اتجاهاته، وأن ما يصدر عن المتحدث باسمه محسوب عليها.

أعطت تصريحات ديلون تركيا ذريعة كانت تتمنى مثلها لشن عملية عسكرية ظلت مترددة في شأنها منذ إطلاق عملية «درع الفرات» في آب (أغسطس) 2016. وتأخرت محاولة تيلرسون لتدارك ما أعلنه ديلون أربعة أيام كانت أنقرة قد استغلتها لتحضير الأجواء اللازمة للعملية العسكرية. كما أن نفي تيلرسون لم يكن واضحاً، إذ قال إن تصريح ديلون لم يُنقل بطريقة ملائمة، وعبر عن أسفه لأن هذا التصريح خلق انطباعاً خاطئاً.

وكان تيلرسون شخصياً استفز روسيا قبل ذاك بأيام حين تحدث في جامعة ستانفورد (7 الشهر الماضي) عن أهداف واشنطن الخمسة في سورية. قال تيلرسون كلاماً يليق بمكانة الولايات المتحدة، ولكن ليس بعد أن فقدت معظم أوراقها، ولم يعد في إمكانها إقناع أحد بأن هذا الكلام يمت بصلة إلى الواقع. وليس كفوءاً السياسي الذي يقول كلاماً لا ضرورة له، خصوصاً حين تكون كلفته الفعلية أكثر من أي عائد معنوي يُحقّقه.

وهكذا أعطت ضحالة صانعي السياسة الأميركية أنقرة ذريعة لعملية عسكرية منحتها روسيا ضوءاً أخضر، ووضعتهم مُجدَّداً في موقف حرج، وهم يقفون متفرجين على ضربة عنيفة ضد حليف يساعدونه عسكرياً.

ولأن صانعي السياسة الأميركية لم يقصدوا ذلك، ولم يُقدّروا بالتالي عواقبه، لم يكن لديهم أي تصور لكيفية التعاطي مع العملية التركية، فتركوا حليفهم السوري تحت النار مثلما فعلوا مع نظيره العراقي قبل أشهر قليلة، مما أسماه سفيرهم السابق لدى سورية روبرت فورد في حينه «غباءً سياسياً». وهذا غباء من نوع ينتج عن الضحالة، وهشاشة الأداء، أكثر مما يترتب على تقديرات أو خيارات خاطئة.

غير أن ما تكسبه روسيا من ضحالة الأميركيين، ولكون سياستها أكثر احترافاً على المستوى المهني، تخسره بسبب ضيق أفق صانعي سياستها، وضعف خيالهم السياسي، ومن ثم عدم قدرتهم على فتح آفاق جديدة حتى عندما يجدون مفاتيحها أمامهم.

ونظراً لضيق الأفق الملازم للنظم الشمولية والتسلطية في الأغلب الأعم، لم تستطع موسكو مراجعة علاقتها بنظام الأسد، وربطت مصالحها كلها باستمراره، ولم تمارس ضغطاً يُذكر عليه لينخرط في مفاوضات حقيقية، ويكف عن إفساد محاولات التفاوض الجاد سواء في جنيف أو آستانة، أو حتى في سوتشي التي عوَّلت عليها كثيراً. ولم تُجرّب الدخول في حوار جاد مع المعارضة التي تعاني، بدورها، ضيق أفق يُعجزها عن إيجاد آليات عملية وواقعية تساعد في تحسين موقفها.

وإذ فشلت موسكو في الإمساك بفرصة التحول من طرف في الصراع إلى وسيط، بات عليها أن تنزل بسرعة من الشجرة، التي بدا أن بوتين قفز إليها، عندما تحدث في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن فكرة المؤتمر الذي عُقد في سوتشي. وبدل أن يُدعّم هذا المؤتمر دورها، ومن ثم نفوذها ومصالحها، حسم من رصيد محدود سعت إلى مراكمته في مؤتمرات آستانة عبر اتفاقات خفض التصعيد، التي بات مصيرها مجهولاً بعد أن تغاضت عن انتهاك نظام الأسد والميليشيات التي تقاتل معه اثنين من هذه الاتفاقات، ثم شاركته أخيراً الاعتداء على مناطق مشمولة بهما.

أدخلها ضيق الأفق في مأزق عندما خسرت رهانها على سوتشي، فتعاطت مع من رفضوا حضوره بطريقة البلطجي الذي ينذر ضحيته بالإذعان أو الضرب. وبالطريقة نفسها، شاركت في شن غارات همجية على إدلب عقب إسقاط أحدى طائراتها في تناقض مع زعمها قيادة عملية سياسية لحل الأزمة، ولكن ليس مع طابع نظم الحكم التسلطية المغلقة التي يعتقد القائمون عليها أن في إمكانهم استغباء الآخرين، مثلما فعل النظام التركي عندما أطلق على عدوان يشنه في عفرين «غصن الزيتون».

والحال أن الروس لا يستطيعون الاستفادة من ضحالة السياسة الأميركية، لأن ضيق أفقهم السياسي يفقدهم القدرة على إعادة التموضع في موقع يسمح لهم بقطف ثمار تدخلهم الكثيف في سورية، واستثمار إمساكهم بمفاصل أزمتها، لوضع أسس حل سياسي يُحسب لهم، ويُدعّم دورهم بأسلوب أرقى وأكثر تحضراً مما يستوعبه العقل الشمولي المغلق.

  نقلا عن الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضحالة أميركية وضيق أفق روسي ضحالة أميركية وضيق أفق روسي



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:49 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

سوريا بين الفوضى والمجهول وسط تصاعد العنف
  مصر اليوم - سوريا بين الفوضى والمجهول وسط تصاعد العنف

GMT 10:29 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

نيكول سابا تعلق على دورها في "وتقابل حبيب"
  مصر اليوم - نيكول سابا تعلق على دورها في وتقابل حبيب

GMT 01:34 2025 السبت ,08 آذار/ مارس

دعاء اليوم الثامن من رمضان

GMT 09:10 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

GMT 19:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

هيا الشعيبي تسخر من جامعة مصرية والشيخة عفراء آل مكتوم ترد

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زوجة رامي صبري تبدي رأيها في أغنية فعلاً مبيتنسيش

GMT 02:52 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

السعودية تعلن ارتفاع استثماراتها في مصر 500%

GMT 22:37 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

العثور على جثة مواطن مصري متعفن داخل شقته في الكويت

GMT 19:36 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

اغتصاب وقتل طالبة إسرائيلية على يد مغني

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

إيناس إسماعيل تُقدِّم طريقة بسيطة لتصميم ماكيت الكريسماس

GMT 06:31 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لتحضير محشي ورق العنب بلحم الغنم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon