بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا تنطبق القواعد العامة فى العلاقات الدولية على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل. لا تقوم العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية على مصالح مشتركة أو متبادلة. مصالح إسرائيل هى القاعدة عادةً، بغض النظر عن المصالح الأمريكية. كما أنها تتجاوز أقصى مستوى من العلاقات الوثيقة والشديدة الخصوصية. وليس هذا جديداً فى مجمله. كانت العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية كذلك، ومازالت. غير أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ينطوى على جديد، بل اثنين. نجد جديداً فى تنامى دور اليمين الإسرائيلى المتطرف فى توجيه العلاقات مع الولايات المتحدة. قرار القدس ليس موضع إجماع فى إسرائيل، رغم أن جماعات السلام الضعيفة تاريخياً صارت بالغة الهشاشة الآن. الإسرائيليون الذين ينظرون إلى أبعد من موضع أقدامهم يخشون تداعيات هذا القرار إذا أدى إلى تقويض حل الدولتين نهائياً، وفتح الباب بالتالى أمام حل الدولة الواحدة فى مرحلة لاحقة. أما الجديد الثانى فهو الخسارة الفادحة التى تلحق بالولايات المتحدة من جراء العلاقة مع إسرائيل. كانت إسرائيل هى الرابحة دائماً من هذه العلاقة. ولكن الولايات المتحدة لم تخسر كثيراً منها، بل ربحت أحياناً ولكن بدرجات أقل بكثير مما كان ممكناً أن تكسبه فى حالة تبنى سياسة أكثر توازناً تجاه الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى. خسرت واشنطن بسبب قرار القدس الكثير من مكانتها، وليس من دورها فقط. لم يحدث أن وجدت نفسها معزولة فى العالم على هذا النحو، حتى عندما شنت عدوانها على العراق.
المشهد فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضى كان ناطقاً بعزلة غير مسبوقة، وبفشل كامل فى استخدام آخر ورقة لعبت بها واشنطن، وهى استخدام المعونات الاقتصادية والعسكرية لإرغام الدول التى تتلقاها على الوقوف معها. وبدا لجوء واشنطن إلى هذه الورقة إفلاساً سياسياً، لأنها تُعد ورقة أخيرة يدل استخدامها على تراجع حاد فى القدرة على التأثير.
سبعة بلدان فقط من أصل 172 وقفت مع أمريكا وإسرائيل، ومعظمها بلدان صغيرة للغاية وغير معروفة للأغلبية الساحقة من سكان العالم. رفضت 128 دولة قرار القدس، وتحدت التهديدات الأمريكية. وعندما تتحدى أغلبية ساحقة فى العالم تتجاوز الثلثين السياسة الأمريكية، لابد أن يكون فيها خطأ جسيم يعود إلى علاقة شاذة مع إسرائيل تتحدى كل قواعد العلاقات الدولية.