بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
لا يؤثر تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة على أجواء الاحتفال بعيد الاستقلال الوطنى الخامس والسبعين اليوم. اقتربتُ من هذه الأجواء فى الأيام الماضية خلال زيارتى لبنان للمشاركة فى مؤتمر مهم عن مستقبل المسيحيين فى الشرق الأوسط، نظمه «بيت المستقبل» فى يكفيا بالمتن الشمالى. لا مسيحيين، ولا مسلمين، ولا غيرهم من الطوائف فى هذه المناسبة الوطنية، بل لبنانيون يتطلعون إلى المستقبل بأمل ورجاء، رغم المشكلات التى تعطل تشكيل الحكومة.
صحيح أن المجتمع اللبنانى تعلم كيف يدبر أموره عندما تحول الخلافات دون تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس، كما حدث مرات عدة من قبل فى العقود الأخيرة. كما أن الحرب الداخلية، التى استمرت نحو 15 عاماً, علمت اللبنانيين الاعتماد على الذات، وصارت دروسها متوارثة استوعبتها الأجيال التالية لها فى إطار حرص عام على عدم تكرارها. غير أن استعجال اللبنانيين إعلان تشكيل الحكومة يتجاوز حاجتهم المباشرة إليها، ويرتبط بقلقهم على اقتصاد بلدهم، وخوفهم من أن يفقدوا استثمارات ومشاريع متوقعة. كما أن النجاح فى تشكيل حكومة وحدة وطنية يطمئنهم إلى أن مختلف الأطراف السياسية تستطيع حل خلافاتها، والعمل معاً. ولذلك يجدون فى حلول اليوبيل الذهبى لاستقلال لبنان ما يُنعش أحلامهم، ويبث قدراً من الاطمئنان، عندما يستعيدون قصة توقيع الميثاق الوطنى عام 1943. فقد أنهى إصداره فى حينه فترة ارتباك وريبة مر بها اللبنانيون منذ الحرب العالمية الأولى تنامت خلالها الانتماءات الطائفية نتيجة عوامل خارجية، وليست داخلية فقط.
وجاء إعلان الميثاق ليضع أساساً لبناء الدولة الوطنية غير تسوية تاريخية قامت على محاصصة، ولكنها اعتُبرت مؤقتة إلى أن تتيسر الظروف لإلغاء الطائفية السياسية لم يكن هذا ميثاقاً بين مسلمين ومسيحيين، بخلاف ما يُقال كثيراً، بل بين مشروعين. كان الأول عروبياً ذا خلفية إسلامية، والثانى كان متوجها نحو الغرب لاستلهام نموذجه سعياً لتحويل لبنان إلى سويسرا الشرق. ولقى هذان المشروعان إقبالاً واسعاً من اللبنانيين قبل التوصل إلى صيغة الميثاق الوطنى، بعد أن تراجع مشروعا الاندماج فى كيان عربى أكبر، والحماية الغربية. تحية للبنان الحبيب فى عيده الوطنى.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع