بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
حققت الصين على مدى ما يقرب من أربعة عقود تقدماً كبيراً ومستمراً رفعها إلى مرتبة القوة العالمية الثانية اقتصادياً، ودفع إلى الاعتقاد فى أنها تستطيع تقديم نموذج عالمى جديد. لم يحل ذلك التقدم دون إثارة سؤال، من وقت إلى آخر, عن احتمالات تأثير اختلالات بنائية، وأخرى وظيفية، فى هذا النموذج.
لكن هذه الأسئلة أصبحت أكثر إثارة للاهتمام فى ضوء إعلان أن النمو الاقتصادى انخفض إلى 6.6% عام 2018، مواصلاً مسار التراجع فى السنوات الأخيرة، بعد أن ارتفع إلى معدلات قياسية، وأحياناً مذهلة، بين 1990 و 2014. لكن هذا التراجع ليس سبب إلحاح السؤال عن مستقبل النموذج الصينى، بل الاختلالات التى ظلت كامنة طوال فترة النمو المرتفع، وفى مقدمتها اثنان. أولهما يرتبط بطابع هذا النموذج، والأساس الذى يقوم عليه، وهو رأسمالية الدولة. فرغم أن العقل الصينى المخطط لعملية التنمية أبدع منظومات إنتاجية متعددة، وأشرك القطاع الخاص، ونجح فى جذب استثمارات أجنبية واسعة فى ظل ضوابط محكمة، ولكنها ليست طاردة، وابتكر وسائل لترك السوق تضبط توزيع الموارد على مستوى الوحدات الصغيرة، فقد ظلت سلطة الدولة متحكمة فى تحديد شكل الاقتصاد ومحتواه فى ظل ما يُطلق عليه «اقتصاد اشتراكى سوقى» يختلف كثيراً عن اقتصاد السوق الاجتماعى الذى بلوره الديمقراطيون الاشتراكيون والليبراليون الاجتماعيون فى أوروبا.
أما الاختلال الثانى فيعود إلى التناقضات الداخلية التى فاقمها التركيز المفرط على الأداء الاقتصادى، فازدادت التباينات الاجتماعية، وتوسعت الفروق بين المناطق، على نحو يحول دون تحقيق الهدف الاجتماعى الذى تبنته الصين وهو بناء المجتمع المتناغم. ويبدو أن تصور إمكانية الوصول إلى مثل هذا المجتمع عام 2020 لم يكن واقعياً فى الأصل. ومن الضرورى التفكير، هنا، فى التفاعلات الجديدة التى ترتبت على كثافة انتقال السكان من مناطق إلى غيرها، وبصفة خاصة من الأرياف إلى المدن، وتحول الريفيين إلى أقلية، وتوسع الطبقة الوسطى التى أصبحت صورة الصين الحديثة مرتبطة بها. فقد خلقت التفاعلات الناتجة عن هذه التحولات, وغيرها، ديناميكية مجتمعية سريعة يصعب فى ظلها التطلع إلى تناغم اجتماعى فى وقت قصير.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع