بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ليس كل من كابدوا الفقر مهمومين بأحوال الفقراء. كثير ممن يشغلهم السعى إلى الحد من الفقر لم يعانوه. وليس كل من لم يعرفوا الفقر غير معنيين به، وبمن يقاسونه. معظم من يؤلمهم أحوال الفقراء لم يركبوا هول الفقر.
ولذلك نجد هؤلاء وأولئك بين من يستهينون بالفقر، أو يقللون مشقته. بعض ذوى الميول المحافظة، والليبراليين الجدد، يعتقدون أن الفقير يستحق أن يكون كذلك، لأنه إما كسول، أو غبى (يقولون عادة إنه يفتقر إلى الذكاء)، أو لا يملك مهارة أو موهبة. الفقر، لديهم، حالة طبيعية، وليست اجتماعية. والتفاوت الاجتماعى تصنعه الطبيعة، وليست السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
لكن هناك من يستهينون بالفقر دون قصد، أو لاقتناعهم بسياسات اقتصادية واجتماعية بعينها، وإيمانهم بأنها أفضل من غيرها. ويوجد أيضاً من يستهينون بالفقر بسبب انحيازهم ضد سياسات معينة، مثل تلك التى يُطلقون عليها إدارة الفقر، التى كان أسلافهم يسمونها توزيع الفقر على الجميع.
وهم يتحدثون عن إدارة الفقر كلما حدثت أزمة اقتصادية - اجتماعية كبيرة فى بلد تتبع حكومته سياسة نقول إنها اشتراكية، مثل فنزويلا الآن، بينما يصمتون عندما تحدث مثل هذه الأزمة فى بلد يُطبق نظام الحكم فيه سياسة يرضون عنها.
لكن ما لم يفكر فيه بعضهم على الأقل أن الحكومة الفنزويلية الحالية تدير التسلط، وليس الفقر، وتتبع سياسة أتاحت الإمساك بالسلطة 20 عاماً حتى الآن، منذ أن اعتلاها هوجو شافيز. ولم يدرك خلفه مادورو أنها وصلت إلى نهايتها، لأنه نشأ على تفسير أى ظاهرة معاكسة بأنها مؤامرة.
ولا تعود أزمة فنزويلا، والحال هكذا، إلى سياسة تزعم حكومتها أنها تهدف للحد من الفقر، بل إلى استخدامها آلام الفقراء وسيلة لفرض هيمنتها تحت شعارات براقة.
وحين نطالع تقرير منظمة أوكسنام السنوى الصادر أخيراً، ونجد أن الاتجاه إلى ازدياد التفاوت الاجتماعى فى العالم يزداد، وأن ما أثبته توماس بيكيتى فى كتابه (رأس المال فى القرن الواحد والعشرين) الصادر عام 2014 بشأن هذا التفاوت مازال مستمراً، ربما ندرك أن الأمر أكثر تعقيداً من أن نختزله فى إدارة فقر، أو إدارة ثراء.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع