بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يفكر أنصار الرئيس سعد الحريرى الذين يطالبونه بالتصعيد، وخوض مواجهة غير محسوبة، فى حجم الخطر المترتب على إشعال الوضع فى لبنان وتداعياته على المنطقة. يزايدون عليه، ويسخر بعضهم من حديثه عن التريث فى تقديم استقالته.
يقول عدد منهم إنه يفتقر إلى شجاعة المواجهة, ولا يريد الإقدام على معركة لا يفصح اى منهم عن مقوماتها وخطواتها. يظن بعضهم أن الشجاعة ليست إلا إصدار بيانات نارية، وإلقاء خطب عصماء، وإفراطا فى العنف اللفظى، وإكثارا من كلمات الإدانة والشجب، وتوزيعا للاتهامات، وتبنى أشد المواقف تطرفا، ورفع سقوفها طول الوقت, وفى كل وقت0
غير أن الشجاعة تبدأ بتحمل المسئولية فى أصعب الظروف، خاصة حين يبلغ الاحتقان ذروته، ويصبح الانقسام منذرا باقتتال, ويبدو الوطن مهددا بحرب داخلية أشد ميلا من أى خطر خارجى، فما بالنا أن اندلاعها يفاقم هذا الخطر الذى تقتضى مواجهته المحافظة على حد أدنى من التماسك الوطنى, مع السعى إلى تغيير المعادلة الداخلية تدريجيا0 والحال أن المواقف الأكثر شجاعة هى التى تنطلق من رؤية واضحة للهدف ووسلائل تحقيقه0
وإذا كان الهدف المبتغى هو تعديل معادلة داخلية تراكمت مقدماتها ومقوماتها على مدى عقود, يصبح ضرورياً فهم أن هذا التعديل لابد أن يتحقق بدوره تدريجياً خطوة بعد أخرى0 وليس ممكناً التقدم فى هذا الاتجاه إذا تخلى الحريرى عن مسئوليته، وألقى استقالته أمام الرئيس ميشال عون, وتفرغ لإصدار بيانات، أو ترك لبنان لمصيره. التقدم باتجاه تغيير المعادلة الداخلية المختلة يتطلب عملا شاقا لتطوير التسوية التى تم التوصل إليها فى نهاية العام الماضى وأتاحت انتخاب عون رئيسا، وتشكيل حكومة الحريرىً.
ويبدأ التحرك فى هذا الاتجاه بالعمل من أجل بناء أكبر قدر من الثقة بين تيار الحريرى (المستقبل) وتيار عون (الوطنى الحر)، وبذل الجهد اللازم لبناء شيء من الثقة بين تيار المستقبل وحزب الله, سعياً إلى تجاوز الاستقطاب الذى أنتج المعادلة الراهنة، ووضع حدا للاحتقان لأنه لا يؤدى إلا إلى تكريس هذه المعادلة.
ويستطيع الحريرى أن يمضى فى هذا الاتجاه اليوم أكثر من أى وقت مضى، لأنه أصبح فى موقف أقوى مما كان فى لأي مرحلة سابقة.