بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم أكن أعرف لماذا لا تغنى الفنانة اللبنانية تانيا صالح أغنيتها المقاومة للمذهبية والطائفية والداعية للتعايش والتفاهم فى حفلاتها الغنائية التى تُنظَّم فى بلاد عربية عدة. فهذه الأغنية التى تقول بدايتها (قوم ياعمر .. كلم على) هى الوحيدة التى تحث على إنهاء الصراع السُنى ـ الشيعى بعد أن وصل إلى أخطر مرحلة فى تاريخه، وتحول إلى أداة فى صراعات سياسية تهدد بتمزيق المنطقة. وقد كتبتها تانيا صالح بطريقة رمزية بديعة فى صورة علاقة بين طفلين (عمر وعلى) وتجلت فيها موهبتها المتعددة الجوانب. فهى حالة نادرة فى الفن العربى الملتزم الآن، حيث تجمع بين الكتابة والغناء والتوزيع الموسيقى، فضلاً عن الرسم بوصفها فنانة تشكيلية بالأساس وبحكم دراستها. وها قد عرفت أخيرا أن هذه الأغنية غير مرغوب فيها، وأن منظمى حفلاتها فى مختلف البلاد العربية يطلبون استبعادها حرصاً على عدم إغضاب السلطات فى هذه البلاد، وفق ما قالته هى فى مقابلة تليفزيونية قبل أيام. ولم استغرب هذا التفسير رغم أنه يتعارض مع توجهات معلنة لبعض البلاد العربية التى تدعو سلطاتها إلى وضع حد للنزعة المذهبية ـ السياسية، وتطالب بإصلاح الخطاب الدينى أو تطويره، وتحث على مواجهة التطرف والغلو.
فالمسافة شاسعة بين الخطاب الرسمى فى هذه البلاد وسياساتها الفعلية، على طريقة إضاءة الإشارة باللون الأخضر ومنع من يمر اعتماداً على أن الطريق مفتوح، أو قمعه فى بعض الأحيان. ولذلك يتضاءل دور الفن والفكر فى مواجهة التطرف بمختلف أشكاله. فالأغلبية الساحقة من الفنانين ليسوا معنيين بهذه القضية، وربما بأية قضية، ويتعاملون مع الفن باعتباره تجارة رائجة تُدر مكاسب وأرباحاً. والقليل منهم الذين يؤمنون بدور الفن فى تغيير المجتمع، بما فى ذلك مقاومة التطرف الذى ينخر فى عظامه، ممنوعون من أداء دورهم إما لأن رؤيتهم النقدية تتجاوز السقف المنخفض الذى يريده أصحاب السلطة، فيتعرضون لحملات هجوم وتشويه من وقت إلى آخر، أو لأنهم يؤثرون السلامة خاصة فى وجود قوانين مقيدة لحرية الإبداع يُحاكم بها مبدعون، ويوضع بعضهم وراء القضبان فى بلاد عربية عدة.
ولذلك فلا غرابة أن يزداد التطرف فى غياب أهم أدوات مواجهته، وهو الفن الهادف الذى يصل إلى الوجدان ويؤثر فى العقل مثل أغنية (قوم ياعمر .. كلم على).