بقلم د. وحيد عبدالمجيد
أصبحت عبارة دولة القانون من أكثر العبارات تداولاً فى الخطاب السياسى والقانونى فى العصر الحديث. لا يخلو منها هذا الخطاب فى أى بلد، بغض النظر عن وضع القانون فيه سواء من حيث طريقة تشريعه أو أساليب تطبيقه.
ولا تختلف هذه العبارة عن عبارات وكلمات أخرى يكثر تداولها بغض النظر عن مدى انطباقها على الواقع، مثل حقوق الإنسان، وغيرها.
وكلمة قانون لاتينية الأصل Droit. وكان معناها الأول هو الاستقامة وإحقاق الحق. والعلاقة بين معنى الاستقامة ومفهوم القانون تبدو أكثر من قوية. فالقانون فى معناه المثالى أو المُبتغى يشبه مسطرة مستقيمة لا انحراف فيها ولا اعوجاج. ولكن هذا المعنى لا يعبر إلا عن وجه واحد من أوجه متعددة للقانون فى عالمنا الراهن، وهو أن يكون سيداً يخضع له الجميع، ويتساوون أمامه، دون فرق أو تمييز ويعبر الأصل اللاتينى لكلمة قانون من الناحية اللغوية عن هذا المعنى الذى تكون دولة القانون فيه هى التى تحق الحق باستقامة لا اعوجاج فيها. ولكن هناك وجهاً آخر للقانون، وهو أنه تعبير عن حالة توازن القوى فى المجتمع فى لحظة معينة، بمعنى أن الأقوى هو الذى يضعه ويُطَّبقه. ويُعد هذا الوجه هو الأقدم فى تاريخ الفكر الإنسانى.
وفى هذا الوجه، لا يكون القانون مسطرة مستقيمة، بل قد يصبح هراوة غليظة يستخدمها الأقوياء لتحقيق مصالحهم، بشرط أن يتمكنوا من خلق شعور عام بأن هذا وضع طبيعى أو على الأقل مؤقت. ومن الضرورى أن يشعر الضعفاء فى هذه الحالة بأن القادم أفضل مما هو قائم، لكى يرضوا بوضع قد لا يكون عادلاً.
وثمة وجه ثالث للأدبيات التى تنطلق من منهج التحليل الطبقى، وهو أنه أداة لهيمنة الفئات الاجتماعية العليا فى المجتمع. ويعود أصل هذا الوجه إلى نقد كارل ماركس لما أسماه القانون البورجوازى، ومناقشته لفلسفة الحق عند هيجل.
وحين ننظر إلى العالم حولنا نجد أوجه القانون هذه فى بلاده كلها. ولكننا سنجد أيضا أن البلاد التى تعرف الوجه الأول للقانون هى الأكثر تقدما وإنجازاً ونجاحا.