بقلم د. وحيد عبدالمجيد
ليست الحكومة وحدها مسئولة عن عدم ادراك قيمة الحوار العام، وكيفية اجرائه فى هذا العصر، والسبل اللازمة لنجاحه. الجميع يعانون هذه المشكلة بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة، بسبب ضعف ثقافة الحوار فى المجتمع
ولذلك يتم أحيانا تنظيم حوارات ليس لها من اسمها نصيب، حدث شئ من ذلك فى مرحلة التحضير للانتخابات النيابية الأخيرة خلال العام الماضى. فقد نظمت الحكومة السابقة ما تصورت أنه حوار حول مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية. ولكن ما حدث فعلاً كان جلسات استماع. وفى الفترة نفسها عُقدت جلسات لا حصر لها بين مجموعات من الأحزاب وشخصيات سياسية تحت عنوان «الحوار» سعياً إلى بناء تحالفات انتخابية. ولكنها افتقدت أهم ما يجعل هذه الجلسات حواراً حقيقياً، وهو وضوح الرؤية والاستعداد لترسيخ ما هو متفق عليه وتضييق نطاق القضايا الخلافية، للوصول إلى حل يتيح العمل المشترك.
ولابد أن تكون هذه الخلفية حاضرة فى أذهاننا حين نتحدث عن ضرورة إجراء حوار عام موضوعى هادئ بعيداً عن الصخب والاتهامات المتبادلة حول قضية جزيرتى تيران وصنافير. فعندما يزداد الصخب فى أى خلاف، يزداد أو يندر أهم ما يحتاجه المختلفون لترشيد إدارة هذا الخلاف وهو المعرفة. ولذلك فإذا توافرت إرادة إجراء حوار مثمر حول هذه القضية، لابد أن يبدأ بمناقشات أكاديمية ولكنها مبسطة يشارك فيها متخصصون فى عدد من العلوم وفروعها مثل القانون الدولى والجغرافيا والجيولوجيا والتاريخ، وخاصة التاريخين العثمانى والحديث، وهندسة رفع المساحات وتتيح هذه المناقشات تجديد ما هو ثابت، وما يحتاج إلى التثبت منه وتشكيل لجنة أو لجان لبحثه، بالتزامن مع بدء النقاش السياسى العام.
والمفترض فى هذه الحالة أن يأتى النقاش السياسى مختلفاً تماماً عن المزايدات والاتهامات المتبادلة التى طفت على المشهد فى الفترة الماضية، لأن المعرفة التى ستتوافر للرأى العام ستفرض على من يطرحون مواقفهم السياسية أسلوباً أكثر احتراماً لعقول الناس.
وربما تكون هذه التجربة بداية نتعلم منها كيف يكون الحوار حول القضايا الوطنية.