بقلم د. وحيد عبدالمجيد
عندما تتفاقم أزمة أى مجتمع، وتصل إلى أخطر منطقة فيه وهى العقل، ينتشر التفكير الخرافى فى كثير من القطاعات. ولا يثير دهشة حينئذ أن يقع فى أسر هذا التفكير من يُفترض أن يفكروا بطريقة عقلانية، أو على الأقل طبيعية، بحكم مستوى تعليمهم ولكونهم يحملون مسئولية تنشئة أجيال جديدة وتعليمها كيف يفكر المرء، ويستخدم عقله فى تفسير الأحداث والتطورات والظواهر، ويربط بينها، لكى يفهم مغزاها بشكل صحيح.
ويعود ذلك إلى أن التجريف الذى حدث فى المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة كان أقوى من أي مناعة عقلية اكتسبها منذ أن عرف طريقه المتعثر إلى العصر الحديث فى القرن التاسع عشر. فقد أحدث هذا التجريف انهياراً شاملاً لم يكن ممكناً أن تسلم منه حالة العقل العام. وعندئذ يسهل أن تنتشر أشكال مختلفة من التفكير الخرافى فى معظم أوساط المجتمع.
وأكثر ما يثير القلق فى هذه الحالة أن تنطوى فى بعض جوانبها على نزعة تحقيرية للمجتمع، ونظرة دونية قد لا تخلو من عنصرية تجاه الذات بشكل أو بآخر، ولكن دون قصد بطبيعة الحال.
وكم تبدو هذه النزعة مؤلمة حين تدفع بعضنا إلى القول بأن مجتمعنا يفتقر إلى «جينات الديمقراطية»، وليس مؤهلاً لها. فلم يستطع أى ممن يتعالون علينا فى دول غربية، وغيرها من الدول التى تطورت فيها الممارسة الديمقراطية، أن ينظر إلينا مثل هذه النظرة، لسبب بسيط هو أنهم يدركون أنه لا يوجد من حيث الأصل ما يُسمى «جينات الديمقراطية» واقعاً أو مجازاً.
ولذلك كان أقصى ما ذهب إليه من يتعالون علينا فى الغرب بسبب إخفاقنا الديمقراطى هو القول بأن العرب يمَّثلون «استثناء» من الاتجاهات الرئيسية فى التطور العالمى فى المرحلة الراهنة.
وتثير فكرة الاستثناء هذه جدلاً فى أوساط المعنيين بالنظرية الديمقراطية ونظم الحكم فى كل مكان لأنها تقوم على افتراضات قابلة للنقاش، بخلاف حديث «الجينات» الذى يدخل فى اطار التفكير الخرافى.
ولكن هذا الحديث الذى يبدو خرافياً إنما هو تعبير عن حالة إحباط لدى من يرددونه، وليس عن افتقارهم إلى القدرة على تفسير عوامل إخفاقنا الديمقراطى. فليتنا نضع حداً لإحباطنا، ونعود إلى التاريخ لنتذكر كيف مرت البلاد الأكثر ديمقراطية اليوم بمراحل لا تقل صعوبة عما يمر به العرب اليوم.