د. وحيد عبدالمجيد
دافع د.أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب بشجاعة عن كرامة معرض القاهرة الدولى للكتاب، وعن الدستور المصرى الذى يمنع مصادرة أى كتاب بدون حكم قضائي،
وهذا درس بليغ لإدارة «دار الشروق» التى لم تملك مثل هذه الشجاعة، فلجأت للمراوغة إزاء هجوم تعرضت له بسبب بعض الكتب التى توزعها عبر جناحها بالمعرض، بدلا من الدفاع عن الحرية التى يحميها الدستور, ولا يجوز لأحد تعطيلها.
ويرتبط موقف مجاهد هذا بالجهد الكبير الذى يبذله لتطوير المعرض الذى يمثل أحد أهم مصادر القوة الناعمة التى اضمحلت فى مصر، ولكن هذا الجهد لن يكتمل إلا بعد إلغاء الرقابة المشينة على الكتب الأجنبية.
فليس فى إمكان مصر أن تُعَّظم مصادرها من القوة الناعمة، وتتوجه بها إلى العالم، ولديها جهاز من مخلفات العصور الوسطى يقوم بمراقبة كل ما يدخلها من كتب وصحف ومطبوعات قادمة من الخارج حتى إذا كان ناشروها أو كتَّابها مصريين.
ولما كان العقل والإبداع هما أساس ما يُطلق عليه القوة الناعمة، فلنتخيل كيف يسخر منا ناشرو هذه المطبوعات حين نراقب ما يرسلون سواء إلى معرض القاهرة أو للتداول بشكل عام، ولسان حالهم يقول إننا قوم بلا عقل يعى أن هذه الإجراءات المتحفية لا قيمة لها فى عصر ثورة الاتصالات والمعلومات.
لقد كانت مصادرة الكتب موضعاً للسخرية فى العالم، حتى قبل أن يصبح تداولها إلكترونيا ضامنا لانتشارها على نطاق أوسع عند مصادرتها فى هذا البلد أو ذاك، فقد أدرك من سبقونا الى العصر الحديث الذى ما زلنا نقف عند بابه أن الرد على ما يتضمنه أى كتاب هو السبيل الى مواجهته بالفكر وليس بالقوة، وصار نقد مصادرة الكتب موضعا للابداع منذ عقود طويلة0 ونذكر فى هذا المجال رواية (فهرنهايت 451) التى نبَّهت إلى استحالة مصادرة الفكر والعلم وكل ما ينتجه العقل حتى إذا حُرقت الكتب جميعها.
فتقوم هذه الرواية على تحول بعض الناس إلى كتب بشرية حية فى ظل هجمة على العقل، فأخذ كل منهم يحفظ كتاباً فى ذاكرته لضمان المحافظة عليه وتداوله شفوياً.
ورغم أن انعدام جدوى القوانين والإجراءات التى تصادر الإبداع أيا يكون نوعه صار واضحا جليا، مازال الصندوق القديم الذى نقبع فى داخله منذ عقود حائلاً دون إدراك ذلك.