توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام!

  مصر اليوم -

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام

وحيد عبد المجيد

ليس جديداً خطاب الكراهية فى الإعلام. فقد عرفه العالم منذ ظهور الإعلام المطبوع ولكن أخطاره أخذت فى الازدياد من خلال الإعلام المسموع والمرئى الأكثر انتشاراً وتأثيراً. وكانت بداية هذا الخطاب فى مصر حين احتكرت السلطة الوطنية واعتبرت الخلاف معها خروجاً على الصف وألصقت بالمختلفين الاتهامات المعتادة التى تبدأ بإلحاق الضرر بالوطن ولا تنتهى بخيانته.
ولكن خطاب الكراهية تركز بعد ذلك فى قطاع واسع من الإعلام «الدينى» مع انتقال البث التليفزيونى الأكثر انتشاراً من الأرض إلى الفضاء. وأصبح النمط السائد فى هذا الخطاب يقوم فى العقد الماضى على احتكار الدين والاتجار به. وصار التكفير أوسع نطاقاً من التخوين. وبثت قناة «بى. بى. سى عربى» قبل أيام تقريراً اعتمد على تحقيق استقصائى عميق عن القنوات الدينية التى تبث سمومها فى عدد من الدول العربية، ومنها مصر.
غير أن نمطاً جديداً من خطاب الكراهية الذى يدعى احتكار الوطنية أعيد إنتاجه مؤخرا فى بعض وسائل الإعلام المرئى الخاصة، بعد أن كان هذا النوع من الخطاب مقترناً بالإعلام الرسمى الذى صار أكثر توازناً الآن. وليس هذا هو الاختلاف الوحيد، لأن خطاب الكراهية الراهن يدعى وطنية خاصة جدا على مقاس مصالح نظام أسقط الشعب رأسه ومازال مصرا على الاستمرار، بينما كان للخطاب الذى احتكر الوطنية من قبل ظل منها.
وكان ظهور هذا النمط الجديد من خطاب الكراهية أحد أهم جوانب رد الفعل الحاد على صدمة حكم «الإخوان» وإرهابهم الذى أعقب إسقاط هذا الحكم.
فهو خطاب رد فعل فى المقام الأول. ولكنه ينطوى فى جانب منه على فعل يهدد المسار الديمقراطى الذى يمقته أصحابه من خلال صنع حالة غوغائية تتغذى على هشاشة الثقافة الديمقراطية فكلما ضعفت هذه الثقافة صار سهلا التخلى عن الحرية وحقوق الإنسان تحت وطأة تهديد العنف والإرهاب، بحيث يصير الأمن مقدماً على ما عداه.
وكثيرة هى أخطار خطاب الكراهية الذى يمثل نسقاً مغلقاً يدور حول فكرة واحدة بسيطة هى أن هناك عدواً (أو أعداء) ينبغى أن نحاربه، وأن هذه الحرب لا تصح إلا بطريقة واحدة يعتبر هذا الخطاب محورها الرئيسى. ولا مجال، بالتالى، للتفكير فى أى طرق أخرى لمواجهة هذا العدو، أو لمراجعة الطريقة المتضمنة فى خطاب الكراهية الذى يُعاد إنتاجه دون ملل كل يوم وكل ساعة.
وعندما يستمر هذا الخطاب لفترة طويلة ينعكس نسقه المغلق على المجال العام ويتوسع الميل إلى رفض كل ما هو مختلف، وتتقلص يوما بعد يوم القواعد التى تنظم الاختلاف بين الناس الذين هم أصلاً مختلفون بطبيعتهم، ويزداد خطر انتشار ذهنية القطيع التى تعد جماعة «الإخوان» مثلا واضحا عليها.
كما أن خطر انتشار خطاب الكراهية الإعلامى يمتد إلى المصالح الوطنية والأمن القومى حين يدفع باتجاه اتخاذ مواقف عدائية غير مبررة تجاه دول وشعوب أخرى، مما يؤدى إلى توسيع دائرة الأعداء فى العالم بدلاً من تقليصها.
ويمكن أن يصل خطر هذا الخطاب الذى يكرَّس الكراهية إلى حد تهديد الدولة التى يفترض أنه يدافع عنها ويسعى إلى حمايتها، لما يترتب عليه من تعميق الانقسام داخل المجتمع.
ويمتد خطر هذا الخطاب إلى الإعلام نفسه.
فرغم أن هذا الإعلام يجنى على الدولة والمجتمع، فهو يعتبر ضحية أيضاً حيث يتراجع أداؤه ويضعف مستوى العاملين فى وسائله التى تنغمس فى خطاب الكراهية لوقت طويل.
ورغم كل هذه الأخطار، لا حاجة إلى منظومة ردع قانونية يطالب بها البعض، ولا جدوى منها فى الوقت نفسه. فخطاب الكراهية هو مزيج من السب والقذف والتشهير. وهذه، وغيرها مما يدخل فى نطاقها، كلها جرائم مؤثمة فى النظام القانونى ولكنها لا تكتسب القدرة على الردع إلا فى ظل دولة قانون تكون القاعدة القانونية فيها عامة ومجردة تُطبق على الجميع بدون تمييز، وهو ما يتطلب وجود نظام قضائى مستقل تمام الاستقلال.
ولذلك، فالأكثر جدوى هو الشروع فى وضع مدونة للسلوك أو ميثاق للشرف استعداداً لإنشاء المجلس الأعلى للإعلام الذى نص عليه الدستور الجديد ليبدأ عمله بعد الانتخابات البرلمانية. فقد أناط الدستور بهذا المجلس تنظيم شؤون الإعلام، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزامه بأصول المهنة وأخلاقياتها. وهذه مهمة عاجلة للجماعة الإعلامية نفسها تتطلب قيام نقابة الصحفيين بمسؤوليتها فى اتخاذ المبادرة اللازمة لإنجازها باعتبارها النقابة الوحيدة حتى الآن فى مجال الإعلام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon