د. وحيد عبدالمجيد
واضحة هى مظاهر الارتباك فى الجهود المبذولة منذ أكثر من شهرين لبناء تحالفات انتخابية تتيح للأحزاب حضوراً معقولاً فى مجلس النواب القادم، وتساعدها فى التغلب على شىء من الصعوبات التى تواجهها بسبب نظام الانتخاب الحالى. فبدون تحالفات كبيرة، ستكون العواقب وخيمة.
وعندما يقل الطلب على السياسة فى المجتمع، يزداد الانصراف عن الأحزاب وتتنامى بالتالى الصعوبات التى تواجهها فى الانتخابات. ومن هنا الأهمية القصوى لبناء تحالفات انتخابية ربما يجوز اعتبارها مسألة حياة أو موت، وقضية حضور أو اختفاء، بالنسبة إلى بعض الأحزاب أو كثير منها.
ويساهم الشعور بهذا الخطر فى إرباك التحركات المتعلقة ببناء تحالفات انتخابية. فقد سعى معظم الأحزاب المشاركة فى هذه التحركات إلى استكشاف الموقف فى المشاريع الأولية لتحالفات عدة طُرحت خلال الأسابيع الأخيرة، بما يتطلبه ذلك من انتقال من تحالف إلى آخر، أو حضور لقاءات تتعلق بأكثر من تحالف فى الوقت نفسه.
وستظل هذه السيولة فى التحركات المتعلقة بالتحالفات الانتخابية حتى يحل موعد تقديم طلبات الترشح. وعندئذ ربما تتمخض كل هذه التحركات عن كثير من التحالفات الصغيرة الضعيفة بدرجات متفاوتة، والتى يضم كل منها عدداً محدوداً من المكونات (أحزاب وحركات ومنظمات) يتراوح بين اثنين وأربعة فى الأغلب الأعم.
والأرجح أن يكون عدد التحالفات المحتملة أكبر مما يمكن تخيله فى ظل المشهد الراهن الذى تسوده آمال عريضة فى بناء تحالفات كبيرة. فكلما ضمت التحالفات أعداداً أكبر من المكونات، قل عددها. والعكس صحيح بطبيعة الحال.
ولكن هذا العكس هو الأرجح. وسيبدأ المشهد فى التغير باتجاه تحالفات صغيرة كثيرة عندما تدخل المفاوضات فى تحديد عدد مرشحى كل حزب أو حركة فى هذا التحالف أو ذاك.
ومن الظلم تحميل الأحزاب وحدها المسؤولية عن هذا الوضع، لأن ثمة عاملين لكل منهما دوره فى إعاقة بناء تحالفات انتخابية كبيرة. أولهما نظام الانتخاب الذى يسمى فى العالم «النظام الأغلبى» ونسميه فى مصر «النظام الفردى»، والذى يعتبر «نظام القائمة المطلقة» هو وجهه الآخر لأن القاعدة فى كل منهما هى فوز من يحصل على الأغلبية المطلقة أى 50 % + 1 بالمقعد (الفردى) أو جميع المقاعد (القائمة) وخسارة كل المنافسين حتى إذا حصل أحدهم على 49 %.
وفى ظل صغر مساحة الدائرة، يصبح التنافس الحقيقى محصوراً بين الأفراد الأقوى فى كل دائرة، وإذا كانت الأحزاب هى الخاسر الأول فى هذا النظام فالدولة والمجتمع هما الخاسر الأكبر، لأن هذا نظام انتخابى يعزز المصالح الخاصة ويزيدها توحشاً فى لحظة تشتد فيها الحاجة إلى استعادة قيمة المصلحة العامة التى ضمرت تدريجياً خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ولذلك لن يكون لكثير من الأحزاب مكان فى المجلس القادم إلا من خلال السعى للحصول على مكان فى قائمة قوية. وهذا يفسر جانبا أساسياً من الارتباك الذى يسود التحركات «التحالفية».
وثمة عامل ثان لا يقل أهمية، وهو ضعف ثقافة الائتلاف والعمل المشترك فى الثقافة السياسية، كما فى ثقافة المجتمع عموماً. وعندما يقترن هذا الضعف بهشاشة القيم الديمقراطية أيضاً، وطغيان المصالح الخاصة، لابد أن يكون بناء تحالفات انتخابية فى مثل صعوبة محاولة إقامة صناعات ضخمة فى مجتمع تقليدى أو بدائى.
فالأزمة ليست فى ضعف الأحزاب فقط. إنها أزمة مركبة مرتبطة بالمستوى المنخفض لتطور المجتمع وثقافته والحدود الضيقة لعقله العام والأفق المحدود لصانعى سياساته والصندوق القديم الصدئ الذى تخرج منه هذه السياسات حتى الآن.