د. وحيد عبدالمجيد
أربع مآسى فى قرار مديرية التعليم بالجيزة إحراق 75 كتاباً فى إحدى المدارس قبل أيام. مصر صاحبة الحضارة القديمة العريقة تُحرق فيها الكتب نهاراً جهاراً. والمصريون الذين قاموا بأدوار مشهودة فى تعليم غيرهم من الشعوب فى مراحل متقطعة من تاريخهم وقفوا يشهدون الفاجعة بمشاعر متباينة.
وما هذا التباين الذى جعل قطاعاً منهم يقبل هذه الفاجعة، أو لا يبالى بها، إلا نتيجة الإفراط فى مزاد الوطنية الزائف الذى حذرتُ وآخرون من تداعياته. وهذه هو بعض ما نجنيه من خطاب تجاَّر الوطنية الذى ينشر الكراهية ويحض على القتل وليس فقط الإقصاء، ويوزع الاتهامات الساذجة فى كل اتجاه.
فالمأساة الأولى فى هذا القرار – الفعل – الجريمة هى أن يكون لدينا فى القرن الواحد والعشرين محاكم تفتيش من النوع الذى لا يُذكر فى التاريخ إلا مصحوباً بالعار، سواء ما حدث فى أوروبا التى كانت هى المسرح الرئيسى لهذه المحاكم، أو فى العالم الإسلامى الذى كان إحراق كتب الفيلسوف العقلانى ابن رشد أبرز أحداثه عام 1198.
أما المأساة الثانية فهى جعل بعض كبار المسئولين عن تعليم أبنائنا فى المدارس، وفقرهم الثقافى المدقع إلى حد أنهم لا يستطيعون التمييز بين كتاب تنويرى وآخر تكفيرى. فإحراق أى كتاب يُعد جريمة، لأن الأصل هو مواجهة الفكر بالفكر.
ولكن المأساة هنا تتعلق بالجهل الذى يكشف أن مسئولين كباراً عن التعليم لم يقرأوا كتاباً، بل لم يسمعوا حتى عن على عبد الرازق وعبد الرزاق السنهورى وحسين مؤنس وعثمان أمين وفريد وجدى وغيرهم من علامات الفكر والثقافة الذين أُحرقت كتبهم ضمن هذه المحرقة.
وتبقى مأساة ثالثة تكرر التنبيه إليها فى كل مناسبة، وهى عدم وجود حكومة بالمعنى الحديث فى مصر منذ عقود طويلة. ففى الحكومة الحديثة لا يحرق مسئولون فى وزارة (التعليم) كتباً تصدرها وزارة ثانية (الثقافة) فى الحكومة نفسها. ولا تدين الوزارة الثانية ماتفعله الأولى!
وثمة مأساة رابعة وهى أن إحراق الكتب يُعد تشجيعاً للعنف وحضاً عليه فى الوقت الذى بلغ خطر الإرهاب أعلى مبلغ فى تاريخنا الحديث.
ورغم أن كلاً من المآسى الأربع أفدح من الأخرى، يظل هذا المستوى المفزع من جهل بعض المسئولين عن التعليم خطراً لا يعادله خطر آخر.