د. وحيد عبدالمجيد
أعطت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى بكين صورة مختلفة عن تلك التى كونها الصينيون عن مصر فى عهد حسنى مبارك،
نتيجة عدم جدية نظامه فى بناء تعاون على أساس رؤية واضحة للمستقبل، وعدم الالتزام ببعض الاتفاقات التى وُقعت بين البلدين. ولذلك تفتح نتائج هذه الزيارة الباب أمام مرحلة جديدة فى العلاقات، وتتيح لمصر فرصة الاستفادة من تجربة الصين المتميزة.
ولذلك ينبغى ألا تقتصر هذه الاستفادة على المشاريع الجديدة التى تم الاتفاق عليها. فالتجربة الصينية نفسها غنية بالدروس التى يفيد استلهامها فى إخراج مصر من أزماتها المتراكمة بمعدلات أسرع مما ينبئ به الأداء الرسمى الراهن.
وفى مقدمة هذه الدروس الاعتماد على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر على أوسع نطاق فى مختلف الأحياء والقري، وربطها بمشاريع متوسطة على مستوى المراكز والمحافظات لتفجير طاقات الشباب المعطلة والمهدرة، فى إطار خطة وطنية متكاملة تتضمن تحديد هذه المشاريع وتوفير سبل النجاح لها.
ولا بديل عن هذه الخطة لتغيير وجه الحياة على أرض مصر فى أسرع وقت ممكن. ولو أننا سألنا الصينيين عن أهم مشروع قومى لديهم خلال العقد الأول لنهضتها التى بدأت فى نهاية السبعينيات، لوجدنا إجابات متعددة بالطبع. ولكن الأرجح أن معظمهم يرون خطة إغراق البلاد بالمشاريع الصغيرة هى المشروع القومى الأول.
وهذا درس ينبغى أن نستلهمه، إلى جانب دروس عدة مرتبطة بالقدرة على تقييم الأداء طول الوقت وتصحيح الأخطاء والاختلالات التى حظيت باهتمام كبير فى أجندة الرئيس الحالى شى جين بينج التى قدمها إلى الجلسة الكاملة الثالثة لمؤتمر الحزب الشيوعى الخامس عشر فى العام الماضي.
ومن أهم هذه الاختلالات ضعف الكفاءة الإدارية بمقاييسهم (يساوى انعدام هذه الكفاءة عندنا)، والتفاوت الملحوظ فى مستوى النمو بين المناطق، والتراكم غير المتكافئ للثروة, وضعف الحوافز اللازمة لانتشار التفكير الإبداعى فى الاقتصاد كما فى المجتمع، والتعقيد الذى تتسم به إجراءات الرعاية الاجتماعية.
غير أن هناك اختلالين مترابطتين يعتبرهما الرئيس الصينى خطيئتين، وهما قدرة كبار موظفى الدولة على جمع ثروات عن طريق إساءة استخدام السلطة، وقدرة كبار رجال المال والأعمال على مراكمة ثرواتهم من خلال كسر القواعد القانونية والتنظيمية. وليتنا لا ننسى أن هاتين الخطيئتين من أهم الخطايا الموروثة عن نظام السادات-مبارك والمستمرة حتى الآن.