توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دروس لنا من عدوان على «غيرنا»؟

  مصر اليوم -

دروس لنا من عدوان على «غيرنا»

د. وحيد عبدالمجيد

اختلفت مواقفنا فى مصر أشد الاختلاف تجاه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. وهذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها ذلك تجاه عدوان تعرضنا فى مصر إلى مثله، بل أفظع وأشد إجراماً منه، عام 1967 وخلال حرب الاستنزاف. ولذلك عانقت أرواح أطفالنا شهداء مدرسة بحر البقر أرواح أشقائهم الفلسطينيين الذين استقبلوهم طوال الأيام الماضية فى رحاب الفردوس.

غير أنه علينا جميعاً بغض النظر عن مواقفنا المختلفة، أن نتأمل بعض الدروس التى ينطوى عليها هذا العدوان حتى إذا نظر بعضنا إلى الفلسطينيين الذين تعرضوا له باعتبارهم قوماً آخرين «غيرنا» لا علاقة لنا بهم.

أولها يتعلق بدلالة مشاعرنا فى مصر تجاه الآلام والعذابات المترتبة على المذابح الرهيبة التى حدثت خلال العدوان. فقد شعر معظمنا بالإشفاق على ضحايا هذه المذابح الذين كان أطفال ونساء وشيوخ فى مقدمتهم، وربما بكى بعضنا تأثراً بالمشاهد المفزعة التى نقلتها بعض وسائل الإعلام، ولكنه إشفاق لا يختلف فى الأغلب عما نشعر به تجاه ضحايا أى حادث فى أى سياق، فلم ترتبط مشاعرنا بالسياق المحدد لعدوان وحشى على الشعب الوحيد الذى مازال خاضعاً لاستعمار أجنبى فى عالم اليوم. ولم نستحضر غالباً تجربتنا فى مواجهة اعتداءات هذا الاستعمار الصهيونى علينا، واحتلاله لجزء من أرضنا قبل أن نستردها، فضلاً عن تاريخ نضالاتنا وتضحياتنا للتحرر من الاستعمار البريطانى قبل ذلك.

وربما لهذا السبب لم يقترن شعورنا تجاه أبناء غزة بتضامن واضح مع قضيتهم وليس فقط مع أشخاصهم، بل على العكس تبنى بعضنا الرواية الصهيونية القائلة إن السبيل الوحيد أمامهم لتجنب القتل والدمار هو الاستسلام للاحتلال والحصار.

ولكن الأهم من هذا بالنسبة إلينا فى اللحظة التاريخية التى تمر بها مصر الآن هو عجزنا فى الأغلب الأعم، وبدون تعميم بطبيعة الحال، عن إدراك أن للأوطان حقوقاً على أبنائها تستوجب منهم تضحيات سبق أن قدمها كثير من أبناء شعبنا عن طيب خاطر فى مراحل عدة سابقة.

غير أننا لم نضع تضحيات الغزاويين فى هذا السياق لأننا فقدنا بكل أسف روح التضحية التى تشتد حاجتنا إليها الآن أكثر من أى وقت مضى لبناء مصر جديدة. فقد أدت عقود التجريف الشامل الذى تعرض له مجتمعنا على مدى عقود إلى تراجع، وربما اختفاء، مفهوم المصلحة العامة فى ظل طغيان المصالح الخاصة والشخصية بأضيق معنى لها وبأوسع ما فى هذا المعنى من أنانية وطمع.

وهذا هو الدرس الأول، وربما الأكثر أهمية، الذى ينبغى أن نستوعبه، لأن استعادة روح التضحية التى فقدناها هى بداية الطريق لتجاوز أزمات هائلة متراكمة يصعب التعامل مع بعضها بل الكثير منها بدون استعداد للعطاء وما يقترن به من تضحية.

وثمة درس ثان علينا أن نستخلصه من همجية العدوان الإسرائيلى. فما كان للعدوان أن يبلغ ما بلغه من جنون إلا نتيجة فشل استراتيجى متزايد منذ أن ظهرت معالمه واضحة فى لبنان عام 2006. وستكون تداعيات هذا الفشل خطيرة للغاية فى حالة عدم التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة يحرّر فلسطينيى غزة من الحصار الخانق ويضمن إعمارها وتنميتها. فبدون هدنة قابلة للاستمرار سيتصاعد الجنون الإسرائيلى، وقد يدفع إلى تشجيع صراعات داخلية ظلت كامنة نتيجة سيطرة حركة «حماس»، بما يحمله ذلك من خطر تحويل القطاع إلى ساحة صراعات مسلحة مفتوحة وإعادة إنتاج المشهد السورى على حدودنا، ويبقى درس ثالث يمكن أن نستخلصه من طريقة تعامل بعضنا مع العدوان على قطاع غزة، وهو أننا فقدنا الصلة بتاريخنا وما يمتلئ به من صفحات النضال ضد الاستعمار الصهيونى حماية لأمننا القومى فى المقام الأول ومن أجل فلسطين فى مرتبة تالية. ويعد افتقاد الصلة بالتاريخ أحد أخطر ما يتعرض له أى مجتمع فى لحظة انتقال كالتى نمر بها فى مصر، لأنه يعنى عدم القدرة على تحديد اتجاه المستقبل. فمن لا يعى تاريخه لا يعرف الطريق إلى مستقبله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس لنا من عدوان على «غيرنا» دروس لنا من عدوان على «غيرنا»



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon