د. وحيد عبدالمجيد
عندما يكتب د. على السلمى عن الدستور، فهو يقدم معرفة عميقة ممزوجة بخلاصة تجربة عريضة.
ولذلك يأتى كتابه الجديد (إشكاليات الدستور والبرلمان) الصادر قبل أيام فى وقته تماماً، حيث يزداد الاهتمام بقضية تفعيل الدستور. وقد ساهم هو فى خلق هذا الاهتمام من خلال دوره الفكرى فى أول مبادرة لهذا الغرض منذ الخريف الماضى.
وفى كتابه الجديد شرح واف للدستور يبدأ بنبذة تاريخية وإشارة إلى (وثيقة المبادئ الأساسية لدستور الدولة المدنية الحديثة) التى كان قد وضعها فى نوفمبر 2011، وعُرفت إعلامياً باسم (وثيقة السلمى) ويشرح د.السلمى الدستور وفق التقسيم الذى يقوم عليه، بدءاً بالديباجة وانتهاءً بالأحكام العامة والانتقالية.
كما يقدم رؤية متكاملة للإشكاليات التى تواجه مجلس النواب الحالى، وصولاً إلى الإشكالية الكبرى وهى ضرورة تفعيل الدستور على المستوى التشريعى، بالتوازى مع إشكالية مماثلة تواجه الحكومة على المستوى التنفيذى من خلال الخطط والسياسات والإجراءات اللازمة لتنفيذ مجموعة الالتزامات التى حمَّلها الدستور للدولة.
فقد أصبح على البرلمان إنجاز ثلاث مهام تربطها عروة وثقى. الأولى هى إصدار التشريعات الجديدة التى نص الدستور على إنجازها فى أول دور انعقاد له. والمهمة الثانية هى تعديل التشريعات القائمة بما يجعلها متوافقة مع نصوص الدستور. أما المهمة الثالثة فهى إلغاء قوانين بسبب عدم إنسجامها مع النصوص الدستورية الجديدة أو تناقضها معها تناقضاً يلزم معه استبدال قوانين جديدة أو معدلة بها. كنا بحصر ما يتوجب على الدولة أن تقوم به على سبيل الالتزام فى المواد التى يُستخدم فيها تعبير «تلتزم الدولة»، ووجد أن هناك 71 التزاماً ينبغى الوفاء بها, بخلاف المسئوليات التى نص الدستور على أن تكفلها الدولة, وبلغ عددها 35 مسئولية.
أما المجالات التى استُخدم فيها تعبير “تعمل الدولة على” فقد بلغ عددها تسعاً، بخلاف ثلاثة مجالات أخرى نص الدستور على ضمانها.
ويحدد السلمى أيضا الحقوق والحريات التى نص عليها الدستور، وبلغ عددها 47 فى مختلف المجالات. ولم يفته تبين المحظورات التى نص عليها الدستور وبلغ عددها 17 محظوراً نذكر منها كل ما ينافى كرامة الإنسان، وفرض رقابة على وسائل الإعلام، والمحاكم الاستثنائية، وتحصين أى عمل أو قرار إدارى وغيرها.
لقد أوفى د. السلمى الدستور حقه فى البحث والشرح والتحليل، وقدم كتاباً يؤكد مجدداً كم نحن خاسرون نتيجة التأخر فى تفعيله.