د. وحيد عبدالمجيد
يبدو الأمر غير قابل للتصديق عندما يدعو صندوق النقد الدولي إلي نظام ضريبي أكثر عدالة مما هو مطبق في مصر الآن.
كان هذا الصندوق يضغط من قبل باتجاه اتخاذ إجراءات تنسف العدالة الاجتماعية بدعوي تحقيق إصلاح اقتصادي هيكلي، وخاصة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي مع صعود الموجة «النيو ليبرالية».
ورغم أن الصندوق لا يزال متأثراً بهذه الموجة، التي يسميها البعض «ليبرالية متوحشة» بخلاف الليبرالية الاجتماعية المضادة لها، فقد تواترت النتائج السلبية المترتبة علي سياساتها. وبدأ الصندوق يعترف ضمنياً بذلك في الأعوام القليلة الأخيرة، عبر التنبيه إلي أخطار التفاقم في التفاوت الاجتماعي في معظم بلاد العالم، والتهديدات المترتبة علي توسع الفجوة بين الشمال والجنوب.
وقد بلغ هذا التفاوت في مصر أعلي مبلغ في تاريخها الحديث نتيجة التراكمات المترتبة علي سياسات اقتصادية ـ اجتماعية أدت إلي إثراء الأغنياء وإفقار الفقراء وبالتالي توسيع نطاق الفقر وكثافته.
ولذلك آن الأوان لمراجعة هذه السياسات، ومن بينها السياسة الضريبية التي دعا صندوق النقد الدولي الي تعديلها في دراسة حديثة أصدرها أخيراً عن زالعدالة الضريبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتُذَّكر الدراسة ببديهيات نتجاهلها مثل أهمية إيرادات الضرائب لدعم النمو وتحسين توزيع الثروة وتوسيع نطاق الرعاية الصحية والنهوض بالتعليم. كما تلفت الانتباه إلي بديهيات أخري من نوع دور السياسة المالية في تحقيق العدالة من خلال توزيع الأعباء بشكل منصف. أما مبدأ تصاعدية الضرائب الذي توصي به الدراسة فهو منصوص عليه في الدستور المصري الحالي، ولكنه معطل مثله مثل المواد التي تشتد الحاجة إليها لبناء مصر جديدة ديمقراطية وعادلة. وربما يكون النص علي الضرائب التصاعدية ضمن ما يريد دعاة تعديل الدستور قبل تطبيقه الإجهاز عليه.
وليس معقولاً، والحال هكذا، أن تكون سياستنا المالية علي يمين صندوق النقد الدولي، وأن يكون انفلاتها من قواعد العدالة أشد مما كنا ننتقده في «روشتات» المؤسسات الدولية التي قبلناها حين كانت تفتقر إلي هذه القواعد. ولذلك أصبح السؤال الآن هو: هل سنقبل توصية صندوق النقد الدولي بشأن الضرائب التصاعدية المنصوص عليها في دستورنا أصلاً، بما يعنيه ذلك من رفع الضرائب علي الشرائح العليا، أم سنمضي في اتجاه خفضها علي هذه الشرائح وتجاهل ما ينص عليه الدستور أو إلغائه؟