د. وحيد عبدالمجيد
مازال الدستور الذى تم إصداره فى 18 يناير 2014 غريبا رغم الأفراح التى سبقت الاستفتاء عليه. طال انتظار البدء فى تطبيقه دون أن تظهر بشائره. كل ما ظهر بعد نحو عام على إصداره هو تحول موقف بعض من بالغوا فى مدحه وإسباغ الفضائل عليه. وبلغ هذا التحول أكثر من مائة وثمانين درجة فى بعض الحالات. وسمعنا ذما فى الدستور بالحماسة نفسها التى مدحه بها أولئك الذين تحول موقفهم ضده. وعندما زاد الانتظار عن حده، بادرت مجموعة من المنظمات المدنية بتوجيه دعوة فحواها وضع تصور لتفعيل الدستور، ورسم «خريطة الطريق» بشأن العمل التشريعى والتنفيذى اللازم لذلك، وإدارة حوار مجتمعى سعيا إلى إيجاد اهتمام عام بالمسألة الدستورية.
كان ذلك فى الخريف الماضي، عندما بادرت مؤسسة دعم منظمات السكان والتنمية، ومركز قضايا المرأة المصرية ومنظمات أخرى انضمت لهما، بهذه الدعوة التى أدت إلى مشاورات قادت إلى وضع وثيقة لتفعيل الدستور، واتفاق على تعاون كل من يرغب من أهل الاختصاص فى بلورة تصور تفصيلى لكيفية تحويل هذا الدستور من الورق إلى الواقع.
واختار المشاركون فى هذا الجهد صيغة المنتدى المفتوح لكل من يرغب فى المشاركة ويقدر عليها، لأن الدستور ليس ملكا لأحد. فهذا دستور مصر والمصريين جميعا . كما أن الجهد المطلوب كبير ويتطلب مشاركة أوسع.
وبعد شهور على بدء هذه المبادرة، أعلنت مجموعة من أعضاء «لجنة الخمسين» وآخرين تأسيس «مؤسسة» أطلقوا عليها «حماية الدستور» وفُهم من كلام بعضهم أنهم يسعون بدورهم إلى وضع تصور لتفعيل الدستور.
وهذه مبادرة تستحق التحية، حتى إذا كانت فى اتجاه آخر. فالدستور يحتاج إلى جهود كل من يؤمنون بأن فى تفعيله خيرا لشعبنا، حتى إذا كان بعضهم يفضلون غلق الباب على أنفسهم. ولا ضير من اختلاف الوسائل مادام الهدف واحدا. ولكن المهم هو أن يركزوا جهدهم فى عمل بناء من أجل تفعيل الدستور، وليس فى كلام عن حمايته وفق الاسم الذى اختاروه، لسببين: أولهما أن الحديث عن الحماية يوحى بفرض وصاية على الدستور تتعارض مع ماهيته. كما أن حماية الدستور تتحقق بتفعيله. وثانيهما أن تقمص دور حراس الدستور يفتح الباب لمهاترات لا جدوى منها مع من يتربصون به, ويذكرنا بقول الراحل الكبير عبدالرحمن الخميسى (إننى أضيع جهدى ووقتي/أدافع عن قيثارتي، ولا أعزف ألحاني).