توقيت القاهرة المحلي 14:39:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأدب والاقتصاد.. متى يلتقيان؟ (2-3)

  مصر اليوم -

الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 23

عمار علي حسن

وإذا كانت الظروف الاقتصادية قد ساهمت فى توفير الشروط الموضوعية لميلاد جنس أدبى مهم، هو الرواية، فإن الاقتصاد استمر فى لعب دور ملموس بالنسبة للأدب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شعراء العامية، فى عالمنا العربى، يهجرون أحياناً، هذا اللون من الأدب، نظراً لعدم إقبال المجلات الثقافية على نشره، ويلجأون لكتابة القصائد الفصحى، سواء كانت نثرية أم عمودية، حتى يحصلوا على مقابل مادى لإنتاجهم الأدبى. وينطبق هذا الأمر أيضاً على القصة القصيرة، فنظراً لاعتبارات المساحة، فإن فرصة نشرها تبدو أكبر بكثير من فرصة نشر الرواية، ولذا يُقبل الروائيون عليها، أحياناً، طلباً للرزق.

وهذا الوضع ليس مقصوراً على العالم العربى، ففى مطلع القرن التاسع عشر، اضطر كتاب أمريكيون إلى كتابة القصة القصيرة بدلاً من الرواية، لأن الناشرين، لم يكونوا مقيدين بأى حقوق تجاه المؤلفين، ولذا فضلوا إعادة طبع آلاف النسخ من الأدب الإنجليزى، بدلاً من نشر أعمال الأدباء الأمريكيين، وذلك، سعياً وراء الربح الطائل، ومن هنا فإن الوضع المادى يتدخل فى رواج شكل أدبى معين، على حساب الأشكال الأدبية الأخرى.

ووفق هذا المنظور، أسهب كثير من النقاد فى التعامل مع النص الأدبى على أنه سلعة، ينتجها الأدباء، ويوزعها الناشرون. ويستهلكها القراء، ومن ثم تبدو الأعمال الأدبية، فى تقدير هؤلاء، مشروعات اقتصادية، تخضع لقانون السوق القائم على العرض والطلب، والربح والخسارة، وتحتاج إلى الدعاية، وتخصص لها واجهات تعرضها، شأنها فى ذلك شأن البضائع المادية. وهنا يقول تيرى إيجلتون «الأدب وإن كان مهارة، أو نتاجاً لوعى اجتماعى، أو عالماً من الرؤية، فإنه صناعة أيضاً، ذلك لأن الكتاب ليس مجرد بنية لمعنى، بل هو فضلاً عن هذا سلعة.. وليس المسرح، مثلاً، مجموعة من النصوص الأدبية فحسب، بل هو أيضاً عمل رأسمالى، يشارك فيه أناس (مؤلفون ممثلون مخرجون عمال مسرح) لإنتاج سلعة يستهلكها المشاهد. وليس النقاد مجرد محللى نصوص، فهم أكاديميون، تستأجرهم سلطة؛ لإعداد الطلاب أيديولوجياً، من أجل أداء وظيفة داخل المجتمع الرأسمالى. وليس المؤلفون مجرد نقلة للأبنية العقلية المجاوزة للفرد فحسب، بل هم عاملون تستأجرهم دور النشر لإنتاج سلعة رائجة فى السوق أيضاً».

وقد أدى النظر للنص الأدبى على أنه سلعة، إلى ظهور حديث عما يمكن أن يسمى بنمط الإنتاج الفنى، كجزء من نمط الإنتاج العام، وكذلك الحديث عن «رأس المال الثقافى»، الذى يمثل الاقتصاد السياسى للثقافة، أى تأثير الثقافة فى النظام الاقتصادى والسياسى للمجتمع، ففى السنوات الأخيرة ازداد الاعتراف بقيمة «صناعة الثقافة»، وبالمنافع المترتبة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، على وجود المؤسسات الثقافية، ودورها المتنامى فى الاقتصاد الوطنى، سواء من ناحية التعامل مع الإنتاج الثقافى، بما فيه الإنتاج الأدبى، على أنه سلعة، يمكن أن تدر دخلاً للدولة، أو من ناحية النظر إلى الدور الذى تقوم به الثقافة فى تحسين الظروف الاقتصادية للمجتمع، من خلال تأكيدها الهوية الوطنية والانتماء، وما يتبع ذلك من نشر الوعى بقيمة العمل، وأهمية ترشيد الاستهلاك، وزيادة الاستثمار.. إلخ، أو حتى من خلال استخدام الفن فى الدعاية لسلعة ما.

ولا يقتصر تأثير الاقتصاد فى الأدب على الشكل الأدبى فقط، بل يمتد تأثيره إلى مضمون النصوص الأدبية ذاتها، فالوضع الاقتصادى للمجتمع، ينعكس على الرواية الواقعية، فتذهب بعيداً فى وصف الأمكنة التى يقطنها أبطال الرواية، مما يكشف وضعهم الطبقى، الذى يظهر من خلال رصد طرائق حياة هؤلاء الأبطال، ومظهرهم الشخصى.

فالروائى يستخدم الوجوه الجميلة، التى تشع بالحيوية والنضارة، والأماكن الفخمة والسلع غالية الثمن، ليعبر عن الثراء الاجتماعى، والعكس صحيح، ويمكن فى هذا المقام ضرب مثل على تعبير الرواية عن وضع اقتصادى معين، أو انعكاس الظروف الاقتصادية على النص الروائى، من خلال روايتى: «يوم قتل الزعيم»، لنجيب محفوظ، و«ذات»، لصنع الله إبراهيم، فكلتاهما أظهرتا تأثير الانفتاح الاقتصادى، الذى بدأته مصر عام 1974، على أسلوب معيشة الأسرة المصرية، وقيمها الاجتماعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 23 الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 23



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon