توقيت القاهرة المحلي 17:13:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحليل الاجتماعى للأدب (1 - 2)

  مصر اليوم -

التحليل الاجتماعى للأدب 1  2

عمار علي حسن

يكون التذوق دائماً مصاحباً للإبداع الأدبى، ومن تفاعلهما مع الحاجات الاجتماعية، بما تشمله من أبعاد سياسية واقتصادية ونفسية وغيرها، وُلد اتجاه فى النقد الأدبى، الذى لا يزال يجاهد فى سبيل إضاءة الجوانب المعتمة من النصوص الأدبية، عبر فك شفراتها ورموزها الداخلية، من ناحية، وربطها بسياقها الاجتماعى، من ناحية أخرى، ليُمثل بذلك جسراً يعبر عليه القراء إلى المضامين الكامنة فى تلك النصوص.

وخلال عقود طويلة من إسهام النقاد فى تأويل النصوص الأدبية، ذهب إنتاجهم مذهبين أساسيين، الأول سلك طريق المثالية، والثانى توخى درب الواقعية. وليس المثاليون فريقاً واحداً، وإنما عدة مدارس، لكل منها رؤيتها الخاصة لطبيعة الأدب. فهناك المدرسة التعبيرية، أو أنصار مذهب «الفن للفن»، وقد ظهرت بأوروبا فى القرن التاسع عشر، كرد فعل احتجاجى على مدرسة «الفن للأخلاق» التى نظر إليها التعبيريون على أنها مجرد دعاية بلاغية، لبعض الاتجاهات الدينية والسياسية، ومواعظ تحطم الشكل الفنى لحساب أيديولوجيات معينة. ونادت هذه المدرسة بفصل العمل الفنى عن كل الغايات، وعزله عن كل العوامل الخارجية التى تحيط به (السياق الاجتماعى) واعتبار الجمال الحر غاية العمل الأدبى. وهناك المدرسة التأثيرية، التى ظهرت أواخر القرن التاسع عشر أيضاً، واعتبرت أن التلذُّذ بالنص الأدبى هو معيار الحكم عليه. وتوجد المدرسة «الإنسانية الأدبية» التى ظهرت فى القرن العشرين، وثارت على الاتجاهات الأدبية الهادفة إلى إحداث تغيير فى حياة الفرد والجماعة، وهاجمت العلم، ورأت أنه يجعل الإنسان عبداً لظروفه. وتأتى بعد ذلك مدرسة «اللاوعى»، التى عُرفت أيضاً بالمدرسة السريالية، أو مدرسة «ما فوق الواقع»، وكانت هى أيضاً متخوّفة من سلطان العلم، ومتوجّسة من أن يؤدى التفكير المادى إلى انتهاك حرية الإنسان، ولذا ناصبت الواقع والعقل والنظم، التى يخضع لها الأدب، العداء.

وفى الجانب الآخر، فإن الواقعيين ليسوا اتجاهاً واحداً، أيضاً، وإنما عدة اتجاهات. فهناك أنصار «الواقعية القديمة»، الذين ذاع صيتهم فى فرنسا أواسط القرن التاسع عشر، وهم يرفضون رفع الواقع السياسى والاجتماعى إلى مستوى المثال، بدعوى تحقيق الجمال الفنى. وهناك «الواقعية الاشتراكية المعتدلة»، التى أخذت على الاتجاه السابق عزوفه عن النضال من أجل التغيير الاجتماعى، واقتصاره على التصوير السلبى لتفاصيل الحياة الإنسانية. وانتهت هذه المدرسة إلى الارتماء فى أحضان الماركسية، فاعتبرت الأدب ثمرة للواقع الاقتصادى، ونادت بتوظيفه فى خدمة الطبقة الكادحة (البروليتاريا). وفى إطار هذه المدرسة ظهرت عدة اتجاهات مثل، الاشتراكية الثورية، والأدب الهادف، أو الملتزم، ومدرسة الحتمية الاقتصادية أو الجبرية التاريخية.

وظهر اتجاه أدبى فى روسيا، حاول أن يتلافى العيوب، التى وقع فيها أنصار المذهب الواقعى، دون أن يرفض الجانب الاجتماعى للنص الأدبى تماماً. وتمثّل هذا الاتجاه فى الشكلانيين الروس، الذين نظروا إلى الأدب على أنه استخدام خاص للغة، وركزوا على التنظيم الصوتى للكلمات تحت شعار «الكلمة المكتفية بذاتها»، لكن فريقاً منهم سخر من الوضع الصوفى المنطوى على ذاته، الذى انتهى إليه بعض الشعراء، فاندفعوا وراء الثورة البلشفية، مؤكدين دور الأديب بوصفه منتجاً، ينتمى إلى الطبقة العاملة، وكونه قد أصبح رجل بناء وتقنية، وقائداً اجتماعياً.. إلخ.

وبعد أن كان الأدب فى نظر هؤلاء هو الكتابة، التى تُحقق تميّزها بالانحراف عن اللغة العملية وتشويهها، ظهر فيهم بعض النقاد، مثل ميخائيل باختين، ممن يمزجون بين الشكلية من حيث اهتمامها ببنية اللغة، والحاجة الاجتماعية، التى ترى أنه لا يمكن فصل اللغة عن الأيديولوجيا، وهو الأمر الذى جذب الأدب بقوة إلى المجالات السياسية والاقتصادية. ومع أن «باختين» لم يُسلم بالفرضيات التقليدية للماركسية، التى ترى أن الأيديولوجيا «ظاهرة ذهنية» تنشأ انعكاساً للبنية التحتية المادية، وتعامل مع الأيديولوجيا على أنها لا تنفصل عن اللغة، فإنه فى الوقت ذاته لم يهتم باللغة التجريدية، بل اهتم بالخطاب اللغوى من حيث كونه ظاهرة اجتماعية. واكتشف بعض الشكلانيين أنهم حين رفضوا السياق الاجتماعى للنص الأدبى، فقد أغلقوا، بذلك، الطريق أمام إمكانية فهم الشكل نفسه، ناهيك عن المضمون.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحليل الاجتماعى للأدب 1  2 التحليل الاجتماعى للأدب 1  2



GMT 10:03 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 09:32 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 09:31 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 09:30 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 09:29 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 09:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 09:26 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 09:24 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon