توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حارس الذاكرة الأدبية

  مصر اليوم -

حارس الذاكرة الأدبية

عمار علي حسن

قبل مدة احتفلنا ببلوغ الشاعر والكاتب الأستاذ شعبان يوسف سن الستين، وتبارى الحاضرون فى ذكر مآثره، فهناك من تحدث عن شعره الذى أبدع فيه ثلاثة دواوين «مقعد ثابت فى الريح» و«1999» و«تظهر فى منامى كثيراً»، وهناك من تناول دراساته الأدبية مثل «خلوة الكاتب النبيل» عن إبراهيم أصلان، و«خيرى شلبى فيلسوف الهامش»، و«حلمى سالم ناقداً ومحاوراً»، ويوجد من أتى على ذكر تجربة «ورشة الزيتون»، التى كافح من أجل أن تبقى على قيد الحياة الأدبية زمناً طويلاً، وتقدم كل سنة أقلاماً جديدة فى الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد.

ولم يفت الجميع أن يتحدثوا عن دأب الرجل الذى يفتش فى بطون الكتب والدوريات القديمة ليزيح التراب المتراكم على معارك أدبية وقصص متوارية وروايات أولى لم تكتمل وكتابات ضائعة لكتاب كبار وأسماء طمر بعضها النسيان فى تدفق الأيام بلا هوادة، وفى الطريق يفضح أكاذيب وينبش أسراراً ويكشف مستوراً.

فى هذه الناحية يتميز شعبان يوسف فيما يختار وما يكتب، إلى درجة تسترعى انتباه كل من يستمع إليه، وكل من يقرأ له، ويجد نفسه يتساءل: ما المكان الذى يعثر فيه على هذه المعلومات بعيداً عن المكتبات العامة التى تتاح فيها مطالعة المجلات والدوريات القديمة جداً؟ فالرجل كان موظف حكومة يقضى نهاره فى مكتبه، وحين يغادره تكون هذه المكتبات قد أغلقت أبوابها. والمكان قطعاً لدى باعة الكتب والدوريات القديمة، الذين يذهب إليهم ويفتش فى أكداس وأكوام الورق ليلتقط ما يريد، فيطالعه، ويخرج من بطونه بعض ذاكرتنا الأدبية المنسية أو التى تقادمت، لكنها عنده لا تسقط أبداً بهذا التقادم.

فى حفلة تكريمه كان شعبان يوسف يجلس على المنصة منصتاً لما يقال عنه، وعلى وجهه دهشة طفل فاجأه إطراء لم ينتظره، ونظرة طائر إلى فضاء بعيد يستعد للانطلاق إليه، فقد تعود الرجل أن يتحدث عن الجميع، ويكتب عنهم، ويحدب عليهم، دون أن يقول له أحد فى أى لحظة: أحسنت.

يمدح كثيرون شعبان يوسف فى وجهه لكنهم يخشون إظهار ما قالوه له، مكتوباً أو مسموعاً، خوفاً من أن ينالهم بعض آثار المعارك والمشاحنات الأدبية التى تجرى معه، أو الخلافات والأقاويل حوله. لكن أى كاتب مر من «ورشة الزيتون» وكان لها عليه بعض فضل أو خير، ليس بوسعه، إن كان لديه قدر من وفاء، أن ينكر ما فعله شعبان يوسف له، فلولا حرصه طيلة السنوات التى خلت على أن تبقى الورشة موجودة ومفتوحة أمام الأدباء، كانت ستموت مثلما ماتت مبادرات وحركات كثيرة فى تاريخ الأدب المصرى.

فى «ورشة الزيتون» البسيطة مثل كوخ فلاح قددت الشمس صفحة وجهه وأرضه، أو قارب صياد عجوز يغالب الريح، بدأت أسماء تعرف طريقها إلى عالم الكتابة والإبداع ثم شقت طريقها فى ثقة نحو الأمام، وهناك أسماء أخرى لم تصمد، وضاعت فى زحام الحياة. لكن كل من تحدث فى الورشة من نقاد نابهين، أتوا من الجامعة أو من خارجها، أفادوا كثيراً من أنصت إليهم بإمعان، وكان شعبان يوسف طيلة الوقت واحداً من هؤلاء، إذ لا يحضر ندوة إلا وعلق على العمل، ديواناً كان أو مجموعة قصصية أو رواية أو مسرحية أو احتفاء بأديب نال جائزة أو تأبيناً لآخر رحل عن دنيانا.

فى حفلة تكريمه قال: «آن الأوان كى أتفرغ للشعر، الذى نسيته فى زحمة الأشياء الأخرى»، لكن كل الجالسين خالفوه الرأى، وقالوا له: «ليس بوسعنا الاستغناء عن آثار تنقيبك عن الكنوز القديمة»، وهذا طلب مشروع، فذاكرتنا الأدبية تحتاج إلى حراس، وهو فى أولهم، لأنه قطع شوطاً بالغاً على هذا الدرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حارس الذاكرة الأدبية حارس الذاكرة الأدبية



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon