توقيت القاهرة المحلي 13:08:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

درب الشرطة الأحمر

  مصر اليوم -

درب الشرطة الأحمر

عمار علي حسن

تبين واقعة «الدرب الأحمر»، التى قتل فيها أمين شرطة شاباً، فغضب الناس وارتعشت السلطة، أن كثيرين داخل جهاز الشرطة لم يتعلموا الدرس، ويتوهمون أن الشعب قد نسى أنه ثار لكرامته أولاً قبل بطنه، وانطلت عليه كله حملة التشويه التى تشنها أجهزة الأمن وأعوانها فى الإعلام على الثورة بطليعتها وأهدافها، بما يجعل الناس تقبل القهر والذل والخضوع، وترضى بمعادلة الشرطة التى تتصور أن وقوف الشعب خلفها فى مكافحة الإرهاب يعطيها الحق فى التنكيل به، وأن تجلده ولا يصرخ حتى لا يشمت الإخوان ويستفيدوا.

إن الإخوان كانوا يرفعون شعار: «نحكمكم أو نقتلكم»، فيما تقول الشرطة: «إما إذلالكم أو التخلى عنكم»، وكلا الأمرين مرفوض تماماً، وهذا الرفض وصل مسامع رئيس الجمهورية، الذى عليه الامتثال للإرادة الشعبية بإصلاح أجهزة الأمن، حتى لا ينفجر الشعب فى وجهه، وعلى البرلمان أن يسارع فى سن القوانين والتشريعات التى تعيد صياغة العقيدة الأمنية، وتجعل الشرطة فى خدمة الشعب حقاً وليس مجرد شعار زائف.

إن قضية تطهير وزارة الداخلية تظل أحد المطالب الرئيسية لكل الذين احتشدوا فى ميادين التحرير بطول البلاد وعرضها، لا سيما أن الاحتقان من أجهزة الأمن القمعية كان أحد الدوافع الرئيسية لاندلاع الثورة، فى ظل السلبيات العميقة التى وصمت عمل الداخلية ومنها الاستعانة بالبلطجية والخارجين على القانون، واختصار أغلب الدور فى الأمن السياسى، وإهمال مهمة تأمين المجتمع، والتمهيد لتوريث الحكم، والتعالى على المواطنين، إلى جانب التحلل الأخلاقى والفساد المالى.

ولم تتأخر القوى السياسية المدنية والخبراء فى تقديم تصورات حول هذه المسألة، لكن السلطة تضرب صفحاً عن كل ما تسمع وترى ويطالبها بإصلاح ذاتها. ومن هذه المحاولات تلك التى أصدرها مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية بعنوان: «كيف نعيد بناء جهاز الأمن؟» والذى قدم له وحرره رئيس المركز الدكتور عبدالخالق فاروق قائلاً: «سوف تجد فى هذا الكتاب اجتهادات غنية ومتنوعة لقيادات وكوادر من وزارة الداخلية تميزت بالشرف والنزاهة، بالإضافة إلى الخبرة العميقة فى مجالات عملها الأمنية، وهى قبل ذلك وبعده تناصر الثورة المصرية المجيدة، وتنتصر لمنطقها فى التطهير الثورى لمؤسسات الدولة عموماً، ووزارة الداخلية على وجه الخصوص، وهم بهذا المعنى يكشفون من داخل الأروقة ودهاليز هذه الوزارة وأجهزتها السرية التى أذاقت المصريين ويلات العذاب والتعذيب لعقود طويلة، كيف جرى ما جرى؟ وكيف ومتى حدث الانهيار المهنى فى أداء هذه الوزارة خاصة ذراعها القاسية المتمثلة فى جهاز مباحث أمن الدولة البغيض؟ ولماذا تراكمت مشاعر كراهيته؟ ثم أخيراً كيف نستطيع أن نخرج من هذا المأزق، وإعادة بناء هذا الجهاز الأمنى على أسس وطنية وقانونية جديدة».

ومع مطالعة الكتاب، الذى يحمل بين دفتيه أعمال ورشة عمل شارك فيها اللواء عبدالهادى بدوى، والعميد حسين حمودة، والمقدمان حليم الديب وأحمد مشالى، والأستاذان عبدالحليم محجوب وعلاء سويف، نعرف أن أفراد وزارة الداخلية زادوا من 214 ألفاً عام 1970 إلى أكثر من 1.5 مليون الآن، الأمر الذى يستدعى التفكير فى إلغاء نظام ندب المجندين بالقوات المسلحة لأداء خدمتهم الإلزامية بوزارة الداخلية، وإلغاء قطاع الأمن المركزى وقطاع قوات الأمن واستبدالهما بتشكيلات للتدخل السريع وفض الشغب، ومعالجة التضخم التنظيمى للوزارة، وإلغاء قطاع مباحث أمن الدولة من البنية التنظيمية، مع إعادة بناء جهاز الأمن الوطنى، ويصدر تنظيمه بقانون، ويكون خاضعاً للرقابة من جانب المجلس القومى لحقوق الإنسان، إضافة إلى أجهزة الرقابة والتفتيش داخل وزارة الداخلية، ويفضل أن تديره قيادة مدنية.

ويوصى الكتاب بأن تقتصر واجبات وزارة الداخلية على حفظ الأمن الشخصى للمواطنين والممتلكات وإشاعة مناخ من الطمأنينة، وعدم التدخل فى أنشطة منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، وعدم التدخل إطلاقاً فى تعيين أو فصل الموظفين فى مختلف المصالح الحكومية، وحماية مقرات السفارات والفنادق والمنشآت العامة، وإلغاء شركات الأمن الخاصة التى تسللت إلى الكثير منها ثقافة الارتزاق والبلطجة.

أعتقد أن هذه أفكار يجب أن يلتفت إليها الذين سيعكفون على تنفيذ تكليف رئيس الجمهورية بسن تشريع جديد يضبط جهاز الشرطة، ويجعله أكثر كفاءة وإنسانية وامتثالاً للقانون، وانحيازاً للمصلحة العامة، وفهماً لأفضلية الأمن الاجتماعى على الأمن السياسى وإدراكاً لأن مخصصات الشرطة كلها من مال الشعب، ولا يمكن قبول أن يدفع الناس من أجل أن يُقهروا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درب الشرطة الأحمر درب الشرطة الأحمر



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon