عمار علي حسن
بدأ الروائى سعيد نوح مسيرته الأدبية شاعر عامية، وسمعت بعض قصائده فى ندوة جريدة «المساء» مع مطلع تسعينات القرن العشرين، وكانت رائعة، وانتظرنا جميعاً ديوانه الأول، لكننا فوجئنا بأول رواية له «كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد» والتى لاقت اهتماماً مناسباً وقت صدورها لارتباطها بأمور إنسانية عميقة، ولبنائها المختلف وعفويتها.
وبمرور الأيام أخذ النثر سعيد نوح من الشعر، لتصدر له روايات: «دائماً ما أدعو الموتى» و«61 شارع زين الدين» و«أحزان الشماس» و«ملاك الفرصة الأخيرة» و«الكاتب والمهرج والملاك الذى هناك» ومتتالية قصصية بعنوان «تمثال صغير لشكوكو»، بينما تبقى له أعمال أخرى حبيسة الأدراج أو على قائمة الانتظار فى دور نشر وسلاسل أدبية حكومية وهى روايات أخذت عناوين: «ما لم يقله المقدس فرج» و«كالماء أصله البحر» و«أم مليحة» فضلاً عن مجموعتين قصصيتين عنوانهما: «لم يكن يجب على الملائكة» و«كما كان يجب على الملائكة»، وعدة سيناريوهات لمسلسلات وأفلام لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن.
ولعل عناوين أعمال نوح دالة على عالمه الذى يراوح بين واقعية فجة قاتمة وكابوسية، وخيال مجنح وغرائبية لا تحدها قيود ولا تمنعها سدود، وفى الحالتين فهو لا يضع عينه أو يسخّر قلمه لخدمة السائد والرائج والمطلوب، إنما يكتب ما يروق له، معولاً على أن الأيام وحدها ستنتصر له، حين يأتى من يتفاعل بإيجابية مع نصوصه، ويسبر أغوارها، ويفهم أعماقها، ويعطى صاحبها مكانه اللائق بين الساردين.
وهناك ثلاث سمات بارزة فى المنتج الروائى لنوح، بشكل عام، أولها الكتابة العفوية المتدفقة التى تجعل قلمه فى كثير من الأحيان مأخوذاً برغبة جارفة فى كتابة ما يعنُّ على الذهن ويفيض به الوجدان. وثانيها العمق الصوفى الواضح فى النظر إلى الطبيعة البشرية، وعلاقة الخالق بالمخلوق، والخير بالشر. والثالثة هى الرغبة فى الاختلاف من خلال الدخول إلى مساحات غير مأهولة بطريقة جديدة فى المعالجة وإن كان قد استفادت من المنتج الروائى الغرائبى العربى والأجنبى من دون أن تقلده أو تنقل عنه أو تقلده.
فى «الكاتب والمهرج والملاك الذى هناك» نحن أمام ملائكة بوسعهم أن يشاطروا الناس كثيراً من أفراحهم وأتراحهم، وأحلامهم وآمالهم، ومخاوفهم ووساوسهم، ويقفون شهوداً على المفارقات والتناقضات والفواجع التى وصمت سلوك البشر وتدابيرهم فى مصر على مدار ثلاثين عاماً من حكم مبارك، وتتابع هروبهم من واقعهم المؤلم إلى عالم المخدرات لتغييب الذهن أو البحث عن سلوى خادعة.
وفى رواية «ملاك الفرصة الأخيرة» يقفز سعيد نوح قفزة غاية فى الجرأة حين يعيد صياغة قصة الخلق بطريقة مختلفة عن تلك السائدة فى الكتب السماوية أو فى الأساطير البابلية والفرعونية التى حوتها «الجيبتانا»، ويصنع مغامرة سردية فى اتجاهين أحدهما فانتازى يهز الكثير من الثابت والراسخ والوثوقى ويفتح الجدل حول البدايات والمسلمات بلا حذر ولا تحسُّب، والثانى واقعى يدور حول فلسطين بوصفها قضية العرب المركزية، ولا يجد الكاتب أى عناء أو غرابة فى التوليف أو المقاربة بين هذين الأمرين المتباعدين، لا سيما أن روايته نابعة من خيال واسع.