توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سياسات الأديان (1-2)

  مصر اليوم -

سياسات الأديان 12

عمار علي حسن

تنزع الأديان بطبعها إلى السياسة، من منطلق انطوائها على تصور متكامل للحياة. وخبرة التفاعل بين معطيات الواقع، ونصوص الأديان تجعل من الضرورى التفرقة بين أمرين فى هذا المضمار، الأول هو «تديين السياسة»، والثانى هو «تسييس الدين»، فالأول يبدو مقبولاً، إذ إن وضع إطار قيمى أخلاقى، ينبع من الدين، أو حتى من التقاليد والأعراف الحميدة السائدة، من أجل تهذيب حركة السياسة، وإبعادها عن التوسل بالتلاعب والمخاتلة والخديعة، كان، ولا يزال، مطلباً، تجاهد الفلسفة السياسية فى سبيل بلوغه.
أما الثانى، فيجب رفضه على الإطلاق، فإضفاء صفة الدين على ممارسات سياسية، يضر بالدين والسياسة معاً، لأنه ينتج فى نهاية المطاف ألواناً سياسية متعددة من التلاعب الملفوظ بمصالح الناس وعقولهم، وتأويلات دينية ملفقة تضر بفقه الواقع، لأنها تقدم مصالح فئة بعينها، على أنها رؤية الدين الوحيدة التى تنطوى على صواب مطلق، وهو ما تأكد لنا فى السنوات الثلاث الأخيرة من خلال تعامل الإخوان والسلفيين مع السياسة بعد ثورة يناير.
وكانت تداعيات ما بعد 11 سبتمبر 2001 قد فرضت مزاوجة، متعددة الأبعاد والرؤى، بين الإصلاح السياسى والإصلاح الدينى، تزامنت مع طفرة ملموسة فى الكتابات والدراسات المرتبطة بسوسيولوجيا الأديان، مع تنامى «المد الأصولى» فى العالم بأسره، ما أعاد تشكيل جزء لا يستهان به من العلاقات الدولية على نمط جديد من الصراعات يتداخل فيها الدينى والحضارى مع الاثنى والقومى.
على هذه الأرضية، يؤسس الباحث القدير الأستاذ نبيل عبدالفتاح مادة كتابه: «سياسات الأديان: الصراعات وضرورات الإصلاح»، ليرسم فى نحو سبعمائة صفحة ملامح ما استجد فى علاقة الدين بالسياسة، ويجتهد كثيراً ليجعل إنتاجه المعرفى يكافئ واقعاً معقداً وسريع التغير، لذا قسم الكتاب إلى ستة أبواب، تحوى ثمانية وثلاثين فصلاً، أتبعها بملاحق شملت خطاب الرئيس الأمريكى جورج بوش حول «إقامة منطقة تجارة حرة مع الشرق الأوسط» وخطاب وزير خارجيته كولن باول، الذى وسمه بـ«مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط»، وخطاب السفير ريتشارد هاس مدى قسم التخطيط السياسى بالخارجية الأمريكية الذى طالب فيه بـ«مزيد من الديمقراطية فى العالم الإسلامى».
وتدور الأفكار والمقولات الرئيسية للكتاب، الذى تفيد قراءته الآن فى فهم بعض ما يجرى بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان، ووضع ما يسمى بالإسلام السياسى أمام تحد تاريخى كبير، حول دور الدين فى ترتيبات العولمة وتفاعلات العلاقات الدولية، لتعرج على علاقة الإسلام بالحداثة والديمقراطية، عبر رصد المسارات التى سلكتها الحركة الإسلامية الراهنة، خصوصاً الفصيل الراديكالى منها، لتبنى مسوغات، تنشد براهين منطقية، لضرورة «الإصلاح الدينى والسياسى» معاً، والذى يبدو فى نظر الكاتب، مسألة حتمية لمواجهة مشكلات الاندماج القومى، وتحقيق «الوحدة الوطنية»، فى عالمنا العربى، الذى تتصف العديد من دوله بفسيفسائية اجتماعية ينتجها تعدد العرقيات والأديان والمذاهب، فضلاً عن اللغة فى بعض الحالات، وهى مسألة كان يروم الثوار أن يتجاوزوها بتحقيق تكامل وطنى على أسس سليمة، لكن تداعيات ومسار الثورات زاد من تعميق مشكلة الانصهار والاندماج الاجتماعى التى كانت سلطات ما بعد الاستقلال عن الاستعمار قد فشلت فى تحقيقه على وجه جيد، وازداد الأمر سوءاً فى ظل موجة الإرهاب الحالية فى مصر، وسوريا، وليبيا، والعراق، واليمن، والتى انخرطت فيها جماعات كانت تدعى طيلة الوقت أنها معتدلة.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسات الأديان 12 سياسات الأديان 12



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon