عمار علي حسن
ما أتعس العيش بلا حرية! إذ لا يوجد إنسان سوى بإمكانه أن يستغنى عنها، ولا يوجد صاحب نفس أبية كريمة بوسعه أن يقايض عليها، ولا يوجد مجتمع سليم يرسف فى أغلال الإكراه والاستبداد والعبودية. فبالحرية يمتلك الناس زمام أمرهم فيبدعون ويضيفون إلى الحياة، وفى الحرية يمكن أن يأتى تقدم الأمم، لكن ما الحرية؟ وكيف رآها الناس، لا سيما المفكرون والفلاسفة والساسة الأحرار على مدار التاريخ البشرى المديد؟
ابتداء فقد نظر العرب الأقدمون إلى الحرية على أنها نقيض للعبودية، فى حين تعامل معها الإغريق بوصفها أساس التقسيم الاجتماعى الذى طرحوه، والذى يرى أن هناك نوعاً من البشر أرقى من الآخر.
وفى أيامنا تلك يذهب الليبراليون فى تعريفهم للحرية مذهباً مختلفاً عما يذهب إليه الماركسيون، ويختلف الجانبان، فى كثير من الأوجه، عما تذهب إليه الأديان السماوية، لكن المفكرين يتعاملون بوجه عام مع الحرية على أنها مفهوم سياسى واقتصادى وفلسفى وأخلاقى عام ومجرد، ذو مدلولات متعددة ومتشعبة، كل واحد منها يحتاج إلى مستوى معين من التحديد والتعريف، لا سيما مع تداخل قيمة الحرية مع نسيج وشبكات من القيم الأخرى.
وقد حدا تعدد وتعقد تعريفات مفهوم الحرية بالفيلسوف المغربى الشهير عبدالله العروى إلى القول عقب استعراضه لجميع نظريات الحرية: «نستخلص من هذا التحليل أن الحرية فى مفهومها تناقض وجدل، توجد حيثما غابت وتغيب حيثما وجدت».
لكن سيل التعريفات التى تناولت الحرية يندرج جميعه تحت مفهومين أساسيين لها، الأول: هو «الحرية السلبية»، التى لا تتعدى غياب القيود وانتفاء الإكراه المادى والمعنوى، والثانى: هو «الحرية الإيجابية» التى تعنى حصول الفرد على حقوقه وامتيازاته.
وبناء على ذلك، فهناك عدة سمات تميز قيمة الحرية عما عداها من قيم، أولاها: القدرة على الاختيار أو المفاضلة بين الأشياء المادية والمعنوية، وثانيتها: الخصوصية، حيث لا توجد حرية فيما يستطيع كل الناس أن يتمتعوا به، كالهواء مثلاً. أما الثالثة: فهى قدرة الإنسان على تحقيق أهدافه.
ومع هذا فداخل هذه السمات نفسها هناك خلاف حول درجة الحرية ومعناها، ففى حين يرى البعض أن الحرية، فى جوانبها الشخصية والمدنية والسلوكية، يجب أن تقوم على التحرر من القيود، يرى آخرون أن الحرية بشكلها الإيجابى هى «التحرر لـ..»، وليس «التحرر من..» أى أن وجود قيود تمنع الحرية من أن تصل إلى حد الإفلات أو تجعلها «حرية مسئولة»، لا يضر بها لكن الذى يضيرها هو التلاعب الذى يقوم به البعض باسم الحرية ليجعلوها، فقط، ما يريدون هم أن يفعلوه، دون أدنى اعتبار لحرية الآخرين.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)
"الوطن"