عمار علي حسن
التنوير هو حركة فكرية انطلقت فى الربع الأول من القرن الثامن عشر فى أوروبا وشارك فيها فلاسفة وأدباء وعلماء، يميل كثيرون إلى أنها بدأت فى فرنسا وانتقلت منها إلى ألمانيا وإنجلترا وعبرت المحيط إلى أمريكا الشمالية. لكن الناقد تزيفتان تودوروف لا يميل إلى هذا ويقول: «يعتقد الفرنسيون فى غالب الأحيان أن فكر الأنوار من صنيعتهم، ولكن الأمر ليس كذلك، فى بادئ الأمر تطورت الأفكار فى ما وراء بحر المانش أو فى إيطاليا، ثم تعمقت ونضجت فى وقت لاحق فى ألمانيا، بكل بساطة كانت فرنسا صندوق الصدى الذى أتاح لهذه الأفكار الانتشار فى ربوع العالم بفضل إشعاع العقل الفرنسى».
فى كل الأحوال لم تكن حركة التنوير مرتبطة ارتباطاً دائماً بأى مدرسة فلسفية معينة، وإنما كانت نتيجة للصراعات الدينية الدموية غير الحاسمة التى شهدها القرنان السادس عشر والسابع عشر. ومع هذا لم يُطرح «التنوير» نقيضاً للإيمان، أو مجافياً للاعتقاد الدينى، إنما أراد أن يجعل الإيمان مسألة فردية، ويحرر المؤمن من تبعات من ادعوا أنهم وسطاء بين العبد وربه، أو وكلاء لله على الأرض، وكان من بين التنويريين من يرون أنه حين تنتهى حدود العقل تبدأ حدود الإيمان.
والتنوير يُنسب إلى «نور العقل الطبيعى» الذى بوسعه وحده أن يقود الإنسان إلى الحكمة والصواب، ويخرجه من مرحلة القصور العقلى إلى سن الرشد، حسبما يقول الفيلسوف الألمانى عمانويل كانط، الذى كان يصرخ: «أعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا فى الحياة بشكل إيجابى متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغى أن تستخدموها».
وبهذا انبعثت روح النقد الحرة فى الإبداع الأدبى والعلمى بشقيه الطبيعى والإنسانى، وواجهت التفكير الأسطورى والخرافات، وأطلقت تيارات مختلفة صنعت ثورة فى العلم والفن والفكر وعلاقة الناس بالسلطتين السياسية والدينية، بفضل الإيمان بقدرة العقل البشرى على التطور والتغير والتقدم نحو الأفضل فى السيطرة على الطبيعة والتحرر والشجاعة فى مواجهة التحديات التى تعترض طريقه.
وفضلاً عن إطلاق حرية التعبير وإبداء الرأى حول الدين، ورفض «الحق الإلهى للملوك» ارتبطت حركة التنوير بانتشار المعرفة العلمية، ومثلما طرحت البروتستانتية فى المجال الدينى فكرة أن كل شخص ينبغى أن يتصرف حسب تقديره هو، فكذلك أصبح من واجب الناس، فى المجال العلمى، أن يتطلعوا إلى الطبيعة بأنفسهم، بعيداً عن وصاية بعض أصحاب النظريات عليهم. كما ارتبطت حركة التنوير بإحياء الروح القومية والوطنية وترتيب العلاقة بين السلطة والشعب عبر «العقد الاجتماعى».