توقيت القاهرة المحلي 13:49:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصص «النهر الراجف»

  مصر اليوم -

قصص «النهر الراجف»

عمار علي حسن


ليس من قبيل المبالغة أو التجاوز والتجنى أن نجد جسراً واصلاً بين انشغالات الكاتبة عزة كامل واهتماماتها كحقوقية ذات خبرة ميدانية ورؤية نظرية، لا سيما حول قضايا المرأة والتهميش الاجتماعى، وبين ما أبدعته من قصص صاخبة فى لغتها ومضمونها وأشكالها المختلفة ضمتها مجموعتها «النهر الراجف»، وهو صخب يأتى العنوان معبراً عنه إلى حد بعيد، فهو «نهر» متدفق من القصص المتنوعة، وهو «راجف» بحركة دائبة عبر جمل قصيرة متتابعة تجذب القارئ ليلهث وراءها، وهى تنتقل من موقف إلى آخر، ومن صورة إلى أخرى، ومن نقطة قوة إلى موضع ضعف فى سردها المتتابع.

فى هذه المجموعة، نجد نساء فضليات ومتسامحات وعاطفيات ومضحيات ونجيبات وجديرات بالاحترام وفى المقابل هناك رجال متوحشون وأوغاد وقتلة وجبناء ومنسحبون وخونة، ولا توجد لحظات يتساوى فيها الطرفان إلا تلك اللحظات الحميمة التى يلتحم فيها جسدا الذكر والأنثى، وكأن الراوى أراد طيلة الوقت أن ينبهنا إلى أن الاحتياجات العاطفية العذرية والرغبات الجنسية سواء، وهى دليل قوى على أن الفطرة وطبيعة الخلق لا تفرق بين الجنسين، لكن ما يُكتسب من الأفكار والممارسات الاجتماعية هو الذى يخلق هذا التمييز، وهى مسألة يبدو أنها لم تكن بعيدة عن ذهن كاتبة تحمل درجة الدكتوراه فى فلسفة التربية.

لكن ما يفسد هذا التصور هو أن تلك اللحظات الحميمة لم تخل فى بعض القصص من نوائب، فواحدة قتلت قاطع طريق، خدعها بأنه شاب صالح، أثناء لقاء حميم، ورجل ريفى مهيب انتهت علاقته المحرمة بزوجة أخيه بكارثة له ولها، بل إن هناك من رأى أن الحالة الرومانسية العذبة تفسدها شهوة الجسد أحياناً. وكأن هذا التناقض بين الجنسين يمر عبر جملة وردت على لسان بطل قصة «يا لكم من أغبياء»، الذى قال واصفاً علاقته مع زوجته: «كنا نعيش فى عالمين متنافرين».

والكاتبة كانت معنية طيلة الوقت بمقاومة الأفكار الخاطئة عن المرأة الراكدة فى جنبات المجتمع والمعششة فى أذهان بعض الرجال، كما انشغلت بتبديد الكثير من الأوهام التى خلقتها الطائفية والطبقية، ما يعنى أنها تكتب بتدبير، وتتوسل بالفن فى النزوع إلى القيم التى تؤمن بها مثل الحرية والتسامح وقبول الآخر، أو تحاول من خلال السرد أن تفهم العالم الذى تعيش فيه حتى تمهد الطريق لتغييره.

وفى المجموعة برهان قوى على الخبرة المتنوعة للكاتبة وعلى ثراء عالمها الموزع بين الريف والمدينة على مستوى المكان الذى يشمل أيضاً المسجد والكنيسة والحقل والبحيرة والبحر والبار، وبين مسلمين ومسيحيين على مستوى الدين، وبين فقراء ومتوسطى الحال وأثرياء على المستوى الطبقى، أما على مستوى المهن، فهناك فلاحون وصيادون وطلبة وموظفون وفنانون، وهناك تصورات ومقولات الطبقة الأرستقراطية ومفردات عالمها المخملى، بمن فيهم من أناخ عليهم الدهر، وتوجد مضامين الموروث الشعبى بخرافاته وأساطيره وحكمه وأمثاله، وتوجد حالات صوفية ظاهرة مثل تلك التى تقول فيها الرواية: «إن الوصول إلى مقام العشق هو عذاب أبدى، يجعلك تصير مقتولاً»، وهناك وجود للحيوانات والطيور بكثافة إلى جانب البشر بتنوعاتهم، ولهم وظائف وأدوار داخل النص.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصص «النهر الراجف» قصص «النهر الراجف»



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon