توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التنمية الذاتية.. كيف يقاوم الاقتصاد؟ (1 ـ 2)

  مصر اليوم -

التنمية الذاتية كيف يقاوم الاقتصاد 1 ـ 2

بقلم - عمار علي حسن

تقع «التنمية الذاتية» فى قلب المواجهة الاقتصادية، لأنها تنبنى أساسًا على السعى الحثيث إلى الاكتفاء الذاتى أولا ثم التفاعل الخلاق مع الدوائر الاقتصادية العالمية ثانيا، وكلاهما شرطان رئيسيان لمواجهة ما لدى الآخر المنافس، وكذلك العدو الآنى أو المحتمل.

ولا يعنى هذا بالضرورة أن التنمية الذاتية هى مجرد تعبئة اقتصادية، فهذه وظيفة ظرفية وطارئة، بل هى وقاية تامة للأمة من الضعف والهوان وذل الحاجة إلى المساعدات وصيانة للغالبية العظمى من الجماهير من العوز والفاقة، بما يوطن نفوسهم ويشد ساعدهم، فلا يكونوا قابلين للغزو أو الاستغزاء. كما لا تعنى التنمية الذاتية الانسلاخ الكامل عن النظام العالمى، فهذا مقصد غير علمى، وتوجه يجافى الواقع، ولا يصمد أمام التطور الاقتصادى الدولى، إنما تركز على «الانسلاخ الانتقائى» الذى يجعل العلاقات الدولية فى خدمة «التنمية المستقلة» أو على الأقل لا يجعلها عقبة كؤود أمامها. وهى هنا قد تساهم فى إنقاذ «التنموية» كحركة علمية طفت على السطح منذ الحرب العالمية الثانية وأفرزتها المدرسة السلوكية فى العلوم الاجتماعية لمواجهة المد الشيوعى من السلبيات التى التصقت بها، والمآخذ التى سجلت ضدها، والتى فضحتها مدرسة «التبعية»، وشككت فى مسلماتها الفلسفية، وكشفت الجوانب الخفية لها.

والتنمية الذاتية بما تعنيه من حق تقرير المصير الاقتصادى لا تدعو إلى اتباع سياسة العزلة التامة عن العالم، إنما هى ترمى إلى تحويل الاقتصاد التابع أو الهامشى إلى اقتصاد مستقل عن الأبنية الرأسمالية المتسلطة والمسيطرة على السوق العالمية، دون فقدان العلاقات الاقتصادية المتبادلة، التى تحقق مصالح الدول النامية. ومن يمعن النظر فى تاريخ التنمية على مدار القرون الثلاثة الأخيرة سينتهى إلى حقيقة جلية مفادها أنه لا توجد حالة تنمية واحدة تكللت بالنجاح من دون توافر العناصر الأساسية للتنمية الذاتية، والتى تقوم على القواعد التالية:

أ ـ بلورة هوية وطنية جامعة، تمنح الفرد والجماعة معا إطارا متماسكا يمكنها من بناء رؤية محددة للعالم تساعد على حسن التعامل معه، ونظرة إلى الذات تقود إلى احترامها وتقديرها.

ب ـ تعزيز القدرة على الضبط والقيادة الذاتية فى مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ج ـ تنويع النشاط الاقتصادى وتوسيعه على مستوى القطاعات الاقتصادية كافة، وتأسيسه هذا على نظام تعليمى يخدم برامج التنمية الشاملة.

د ـ وجود إرادة حرة فى تحديد شكل وحجم التعاون المتبادل مع الدول الأخرى، بما يحقق المصالح المشترك.
ومن هنا تتجسد التنمية المستقلة فى نطاق عوالم ثلاثة هى عالم الرؤى والمفاهيم والتصورات، وعالم المواقف والخيارات، وعالم الفعل والتصرفات الذى ينصرف إلى الخطط والبرامج والأدوات والمؤسسات، وهى فى جوانبها النظرية وتطبيقاتها العملية تعنى تسعة أمور أساسية يحددها عالم الاقتصاد الراحل الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله فى:

1 ـ الاعتماد على النفس فى مواجهة الاستثمارات الأجنبية.

2 ـ وجود تنمية تتمحور حول الذات، وتتوجه إلى الداخل، فى مواجهة انشطار الاقتصاد إلى شق تحديثى يرتبط عضويا بالشركات متعددة الجنسيات وشق تقليدى يتأسس على أشكال الإنتاج القديمة المتوارثة والبسيطة.

3 ـ توفير حد الكفاية أو الحاجات الضرورية لعموم المواطنين.

4 ـ الاهتمام بالتنمية البيئية للموارد الطبيعية حتى لا تؤدى إلى نضوبها، وحرمان الأجيال القادمة من حقها فيها.

5 ـ توسيع المشاركة الشعبية من منطلق أن الديمقراطية السليمة هى أحد الأطر المهمة التى تحفظ التنمية الذاتية وتوجه حصادها إلى مكانها الطبيعى.

6 ـ اللجوء إلى تقنية ملائمة لظروفنا، تلبى احتياجاتنا، وتغنى نفوسنا عن الانبهار الرخيص بالتقنيات المتقدمة التى لا نحوزها إلا بالاستيراد، ولا يسمح لنا بامتلاكها إلا فى ظل التبعية. ثم العمل على تطوير ما لدينا من تقنيات، فى ظل استراتيجية ترمى إلى بناء قاعدة علمية وتقنية وطنية، تساهم فى ردم الهوة بيننا وبين الدول الصناعية الكبرى.

7 ـ التمسك بالهوية الحضارية والخصوصيات النافعة فى مواجهة الذوبان فى الآخر، أو الانسحاق أمامه، ومحاكاته وتمثله.

8 ـ دفع الاقتصاد الوطنى نحو التكامل الداخلى بما يمكنه من تصفية الجيوب المرتبطة بالخارج، وفى مقدمتها مناطق تركز النشاط التابع للشركات متعددة الجنسيات.

9 ـ الميل إلى الاعتماد الجماعى على النفس على المستوى الإقليمى، وبين الدول المتجاورة، بما يمكنها من تشكيل كيانات اقتصادية كبيرة بوسعها النضال ضد أساليب الاستعمار الجديد وسعى الدول الكبرى فى السيطرة والاستغلال، وفى مكنتها الوقوف فى وجه التكامل الاقتصادى الذى يجرى بين الدول الصناعية.

أما الجوانب التطبيقية أو الإجرائية للتنمية الذاتية فتبدأ بحصر شامل لجميع الموارد المحلية المتاحة من قوى عاملة ورأسمال ومواد خام ووسائل إنتاج ومعارف تنتجها النخبة أو يجود بها الموروث الشعبى، ثم القيام بربط حركة التصنيع بالموارد المحلية، وتطوير أساليب الإنتاج القائمة وتشجيع ابتكار أخرى تلائم الموارد المحلية من جهة، وتلبى احتياجات القاعدة العريضة من الشعب، ورفع إنتاجية القطاع الزراعى، باعتبار الزراعة هى المكون الأول للنشاط الاقتصادى، والذى تضيق فيه الفجوة بين الدول مقارنة بالصناعة والتكنولوجيا.

(نكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنمية الذاتية كيف يقاوم الاقتصاد 1 ـ 2 التنمية الذاتية كيف يقاوم الاقتصاد 1 ـ 2



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon