توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول.. النزعة الإنسانية والتنمية (1 ـ 3)

  مصر اليوم -

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية 1 ـ 3

بقلم - عمار علي حسن

ما يطرأ على «البيئة» من كوارث طبيعية بحتة، أو بفعل تدخل البشر، فرض نفسه على العلاقات الدولية، فى شقيها، الذى يدور حول «الصراع» و«التعاون» وكذلك «التباعد» و«التكامل»، حتى بات مبحثا أصيلا منها، تتجاذبه عقول الباحثين فى مشارق الأرض ومغاربها، وتنعقد حوله المؤتمرات والندوات، وترسم حوله «استراتيجيات» دولية، تتناوله إما منفردا، أو فى سياق حوار دولى أوسع حول علاقة الشمال بالجنوب، و«فائض القيمة التاريخى»، و«حدود القوة» فى النظام الدولى، وكل ما يمت بصلة إلى «العولمة» بمختلف تجلياتها، وأشكال تواجدها، وحالات التفاعل معها، قدحا ومدحا، وحدود تأثيرها فى الزمان والمكان، وكذلك مسألة «الإرث الإنسانى المشترك» أو «الممتلكات العالمية المشاعة»، وهى الموارد التى يتاح استخدامها للمجتمع الدولى، والتى لا تخضع للسلطة القانونية لأى دولة، كالمحيطات والجو وقيعان البحار العميقة.

وبداية فإن العلاقات الدولية ظفرت بتعريفات عدة، ومدارس متنوعة تناولتها، جزئيا وكليا، تلاقت فى أشياء، وتباعدت إلى حد التناقض فى أخرى، وحتى لو كان بعضها قد انطوى على متشابهات من أسرة واحدة، فإن هذا لم يقض على الطابع المميز لكل منها. وجاءت البيئة «مفهوما» و«واقعا» لتحفر لنفسها مكانا، وسط هذا السيل العرم من التعريفات والمقاربات النظرية للعلاقات الدولية، عبر دخولها على بعض المفاصل الأساسية لمختلف التعريفات والمفاهيم.

فالعلاقات الدولية، فى أبسط تعريفاتها، هى «العلميات التى تجرى عبر الحدود، شاملة ما هو سياسى واقتصادى واجتماعى وعسكرى وتقنى». وهذه ألوان أو أنواع للكوارث البيئية المصطنعة والطبيعية نصيب فى كل منها، لأنها فى خاتمة المطاف قضية سياسية، إن أدت إلى توتر أو تفاهم بين دولتين، أو عدة دول، وقد يتطور النزاع حولها إلى صدام مسلح. كما أن للبيئة «ثمنا» اقتصاديا، لارتباطها المباشر بقضايا التصنيع والصيد والزراعة واستصلاح الأراضى، والتنمية المستدامة، أو المستمرة.

ومثل هذا الوضع أنتج ثلاث مسائل رئيسية:

أ ـ ما فرضته البيئة من تحديات مهمة لنظرية العلاقات الدولية، فى وقت احتلت فيه قضايا البيئة موقعا متقدما على جدول الأعمال الدولى لجيل كامل من الزعماء السياسيين، والمسؤولين وصناع القرار، ورجال الصناعة ومهندسيها، والعلماء بمختلف تخصصاتهم، والمواطنين الغيورين على صحة الإنسان، وثراء الطبيعة.

ب ـ ما جرى من توزع الجدل العلمى حول البيئة على مختلف نظريات العلاقات الدولية. فالعلماء الذين عكفوا على دراسة هذا الأمر كانوا مختلفى المشارب والاتجاهات، واستغل كل منهم تعقد هذا الموضوع وتشعبه، ليجذب القضية إلى المساحة النظرية التى يقف عليها، مستخدما العديد من الأدلة التى تدعم وجهة نظره، سواء كان من أصحاب النظرية «الواقعية» أم «الواقعية الجديدة»، أم «التعددية» أم «المؤسساتية الليبرالية» أم «البنيوية» أم «الماركسية الجديدة»، أم ممن يطالبون بالمساواة بين الجنسين.

ج ـ وجود همزات وصل بين البشرى والطبيعى فى الكوارث، بل إن العلاقة بين الاثنين تصل إلى حد السببية فى بعض الظواهر. فبعض العلماء يرى مثلا أن إعصار كارتينا الذى ضرب الولايات المتحدة الأمريكية نجم عن ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، من جهة، وعن عدم مطابقة تخطيط مدينة نيو أورلينز، التى اجتاحها الإعصار، لشروط حماية البيئة، من زاوية تجفيف معظم الأرض الرطبة التى تحيط بالمدينة، والتى كان من شأنها أن تمتص جزءا كبيرا من مياه الفيضان.

وهذه حالة من حالات الاستخدام البشرى الجائر للطبيعة، والذى يخل بالتوازن البيئى والأيكولوجى، والذى دفع مؤتمر للأمم المتحدة عقد بجنيف عام 2004 إلى أن يربط بين تغير مناخ الكرة الأرضية والتحول الحضرى السريع فى دول كثيرة وبين الكوارث الطبيعية، ويبرهن على ذلك بلغة الأرقام. فحتى عام 1990 شهد العالم 261 كارثة طبيعية، نكب بها نحو 90 مليون شخص. وفى 13 عاما فقط، تراوحت بين 1990 و2003، وقعت 76 كارثة أضرت 164 مليون شخص.

وبصفة عامة فحاصل ضرب قضايا البيئة فى نظريات العلاقات الدولية ينتج عدة مسائل مهمة، يمكن ذكرها على النحو التالى:

1 ـ أنسنة العلاقات الدولية: وهذه مسألة تبدو «طوباوية» فى ظل علاقات دولية تجنح إلى التنافس والصراع أكثر مما تميل إلى التعاون والتكامل، لكن لا يجب أبدا التخلى عن هذه الرؤية المثالية والكفاح من أجل تحقيقها، أو على الأقل الحد من غلواء الصراع، ودفع العالم إلى شريعة الغاب. وتجد هذه الرؤية ظلها فى «القانون الدولى الإنسانى»، الذى لم يكتف بتنظيم علاقات الدول وقت السلم، بل امتد إلى ساحات الحرب، لحماية المتضررين من النزاعات المسلحة. وجسد قانونا «جنيف» و«لاهاى» هذا الأمر، فالأول يتعلق بحماية فئات معينة من الأشخاص والأموال الثابتة والمنقولة، فى حين ينظم الثانى استخدام وسائل القتال وطرقه وسلوك المتحاربين. وكل ما سبق يمثل «قانون الحرب» وهو الحد الذى لم يقف عنده فقهاء القانون الدولى، بل طرحوا مفهوما أكثر تقدما وهو «القانون المضاد للحرب»، أو منع «حق الحرب»، باعتبار أن حظر الحرب يجب أن يكون هو الأصل.

وتسير قضايا البيئة على المنوال ذاته، إذ إن الجهود التى بذلت من أجل بيئة نظيفة وطبيعية، دارت فى الأساس حول علاقات دولية «إنسانية»، يتكاتف فيها البشر من أجل مصالحهم المشتركة، ويتعاملون فى الوقت ذاته برفق ورحمة مع الكائنات الأخرى التى تعيش معهم، من حيوان ونبات.

ويدل استعراض الاتفاقيات البيئية الرئيسة متعدد الأطراف Key multi-lateral environmental agreements على هذا الأمر بجلاء، فالاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان (1946) تمكنت بعد إقرارها بتسعة وثلاثين عاما من تعليق صيد هذا الحيوان النادر لأغراض التجارة، وإقامة محميات طبيعية له. ومعاهدة انتاركتيكا (1959) وما لحقها من اتفاقية وقعت عام 1980 وبروتوكول مدريد (1991) عملت على حفظ الموارد الحية. وهناك اتفاقية ماربول (1973)، التى تضع قواعد تفريغ النفط وغيره من المواد الضارة من السفن، بما يحمى البحار من التلوث. وفى العام نفسه وقعت اتفاقية لمنع الإتجار الدولى فى الحيوانات المهددة بالانقراض. وبعدها بست سنوات وقعت اتفاقية للحد من التلوث الجوى. وفى عام 1985 وقعت اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، ثم بروتوكول مونتريال (1987) المتعلق بالمواد المستنفدة من الأوزون. وبعد ذلك بخمس سنوات جاءت اتفاقية الأمم المتحدة حول «تغيير المناخ»، تبعها بعد خمس سنوات أيضا بروتوكول كيوتو حول المسألة نفسها. وقد أقرت هذه الاتفاقية بالمسؤولية التى تقع على عاتق البلدان المتقدمة عن التغير المناخى الذى ينجم عن أفعال البشر، وفى عام 1992 وقعت اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بالتنوع الإحيائى، وبروتوكول قرطاجة بشأن السلامة فى التقنية الإحيائية.

(نكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية 1 ـ 3 كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية 1 ـ 3



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon