بقلم-عمار علي حسن
( 1 ) إذا وجدت من يقف أمام الحاكم ليفرط فى مدحه، ويضفى عليه من الصفات أعظمها، ومن السمات أعلاها، ومن الخصال أفضلها، فاعلم أن هذا الشخص فى الغالب إما منافق يسعى إلى منفعة، أو لص يسعى إلى التعمية على سرقته، أو خائف خائر يحمى نفسه لأن هناك من أبلغه بأن وشاية قد وصلت الحاكم عنه فأغضبته منه.
فى الوقت نفسه إذا وجدت معارضا متشنجا، يفرط فى القدح، يعلو صوته حين يجب أن يتناقش أصحاب الاتجاه المختلف فى هدوء، ويدفع الناس إلى الصدام بينما هو يدرك أن هذا ليس فى صالحهم، أو على الأقل يطلب منهم التحرك بينما تكون الظروف غير مهيأة لهذا، وينفخ طيلة الوقت فى أوصالهم محمسا إياهم، لا لكى يتحلوا بالشجاعة، إنما ليسقطوا فى الطيش والتهور، ويخطئوا، وبالتالى يسهل اصطيادهم.
إن الخبرة التاريخية للتنظيمات السياسية، السرى منها والعلنى، وحتى بعض الأحزاب السياسية فى ظل التعدديات المقيدة أو الشكلية، طالما عرفت بعض عناصر تدسها أجهزة أمنية عليها، ويكون مطلوب منها ألا تدع البقية يفكرون فى هدوء، ويخططون فى صبر، وبالتالى يبالغ هؤلاء «العملاء السريون» فى إظهار احتجاجهم، فتتسم كلماتهم بالحدة، ويرمون غيرهم من المتأنين بأنهم خائرون عاجزون، ويبالغون أيضا فى تصرفاتهم، التى ليس فى تقدر العقلاء سوى حماقة، لكنهم يحاولون أن يظهروها على أنها إقدام وبسالة، ويغرون آخرين للانضمام إليهم، حتى يتشتت الصف المتلاحم، ويتداعى البنيان المرصوص، ويتنازع المعارضون فيفشلون، وتذهب ريحهم.
لكن هذا لا ينطبق على كل الصارخين، فبعضهم يعبر عن طبعه فى الاحتجاج، وميله إلى المواجهة الحادة، والحلول الجذرية، وبعضهم بلغ به الشعور بالظلم مداه، فلم يعد لديه ما يخاف منه، أو يبقى عليه، وهناك أيضا من تعمق فى أنفسهم الشعور باليأس، ولا وقت لديهم للانتظار كى يخرجوا مما هم فيه على مهل.
( 2 ) كتب صديقى وزميل دفعتى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الصحفى والمحلل السياسى القدير الأستاذ شحاتة عوض على صفحته بموقع «فيسبوك»، تلك الآية الكريمة، التى يقول فيها رب العزة سبحانه وتعالى: «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعى رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدته�� هواء».
وكتبت له معلقا عليها: «لو قرأ كثير من الفلاسفة الغربيين الذين تحدثوا عن أن الله قد خلق العالم ثم نسيه، أو عن موت الإله، كما تصوروا، لتوقفوا أمام هذه الآية طويلا، وكيف أنها تمنح طبابة للمؤمنين الذين يظلمون فى الدنيا ظلما بينا، وأن فيها إجابة على سؤالهم الكبير: لماذا تمضى الحياة هكذا بين ظلم وظلمات.
ورد شحاتة قائلا: «كثير منهم لا يقرأون هذا، وحتى إن فعلوا فهم ربما لا يؤمنون بأن هناك يوما آخر، وبعثا وحسابا. الآية مرعبة فعلا يا صديقى».
وأدركت جانبا مما يرمى إليه، فكتبت له أقول: «أعتقد أن الحكام الظلمة فى أى زمان ومكان أولى بقراءتها من أولئك الفلاسفة، لكن المشكلة أنهم أيضا لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون. الغريب يا أخى العزيز أن كل من يجلس منهم على الكرسى الكبير، لا يريد أن يتعلم، فهو إن كان يشك فى وعد الله وقدرته، فعلى الأقل يجب أن يعى قدر التاريخ، أو يفهم الحكمة السابغة البسيطة التى يتداولها الناس فى سلاسة، وتقول: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».
( 3) من يحارب الفساد حقا عليه ألا يمده، من خلال أقواله وأفعاله، بكل أسباب الاستمرار والتوحش، وليعلم أن توسيد الأمر إلى غير أهله فى كل مجال ومكان هو أخطر من سرقة الأموال، وأن الاستبداد هو الفساد الأكبر.
( 4 ) أتعجب من هؤلاء الذين عادوا إلى سيرتهم الأولى، وكأن ما جرى كان لا شىء فيه، ولم يكن بوسعه أن يترك علامة فى النفوس والقلوب والعقول، مع أنه رسخ قاعدة تقول: صمت الشعب سيصير همسا، ثم صراخا، سيقض مضاجع كل الذين توهموا أنه قد مات.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع