توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البطولة والشجاعة الخلاقة.. المعنى وكيفية التحلي بهما «1- 3»

  مصر اليوم -

البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما «1 3»

بقلم - عمار علي حسن

تُجمع المعاجم العربية على أن البطولة هي الشجاعة الفائقة، التي لا يتصف بها إلا قليل من البشر، ويقدم ابن منظور في «لسان العرب» أسباب هذه التسمية بقوله «سُمى بطلًا لأن الأشداء يبطلون عنه، أو أن دماء الأقران تبطل عنه، فلا يُدرَك لهم ثأر»، أما معجم أكسفورد، فيرى أن البطل Hero هو «المحارب العظيم والمقاتل الشجاع»، وهو «القائد القوى الملهم الذي بوسعه أن يحدد مسار التاريخ»، أو «الشخص الذي اشتهر بين الناس بإنجازاته الكبيرة أو صفاته الحميدة» حسب ما تذكره الموسوعة الأمريكية.

فإذا انتقلنا من الحرب إلى الإبداع والمعرفة والمخيلات الشعبية يكون البطل هو «الشخصية المحورية في حكاية أو رواية أو ملحمة من أي نوع من الأدب الملحمى»، كما تذكر الموسوعة البريطانية، وهو هنا يبدو تعبيرًا فنيًّا واعيًا أو غير واعٍ عن أشواق ورغبات تعتمل في نفوسنا بحثًا عن الاكتمال الإنسانى، أو محاولة فهم الواقع وسبر أغواره.

وللبطولة ركائز لا تخفى على أحد، أولاها فيض الحيوية، إذ إن البطل يتمتع بقوة بدنية فائقة، بغض النظر عن حجم جسمه، طويلًا أو قصيرًا، سمينًا أو نحيلًا. ولم يعرف التاريخ بطلًا غير موفور الصحة، أو متداعى البناء، بليد المشاعر والإحساس. وثانيتها رسوخ العقيدة، بوصفها القوة التي تهيمن على الفكر والمشاعر والعزيمة، وتحمى الفرد عند الملمات، وتمده بطاقة على الصبر، وتملؤه بالاطمئنان وقت القلق، والثقة وقت الاضطراب، وتجعل العظائم تصغر في عينيه، مادامت باطلًا، والصغائر تكبر في نفسه مادامت حقًّا.

والعقيدة هنا لا تقتصر فقط على ما يُستمد من الدين وجلاله، بل أيضًا على ما تمنحه المذاهب والرؤى الوضعية، والأيديولوجيات متكاملة الأركان، والعلوم التجريبية، فكل هذه الخلفيات العميقة تمنح صاحبها قدرة على مواجهة الصعاب التي تعترض طريقه، وإصرارًا على تحقيق غاياته، لكن كل المعتقدات تصغر وتتضاءل أمام الإيمان بالله سبحانه وتعالى.

وعمومًا، فإنه لولا إيمان الأبطال في كل مجال من مجالات الحياة بما يدور في عقولهم وتنطوى عليه جوانحهم ما تقدمت الحياة بنا خطوة واحدة، فالسياسى المؤمن بقضية بلاده، والمفكر المؤمن بآرائه، والعالِم المؤمن بمخترعاته واكتشافاته، ورجل الدين المؤمن بانتصار الحق في النهاية، هم جميعًا مَن دفعوا الحياة دفعًا إلى الأمام، ولولاهم لتوقفت أرجل الناس عن المسير، وتجمدت مصائرهم عند المرحلة الأولى.

أما الركيزة الثالثة فهى الشجاعة، إذ لا بطولة من دون شجاعة فائقة لأنها عدة البطل في الحرب وسلاحه، ولأنها في السلم القوة الدافعة إلى الاعتصام بالعقيدة، والصدع بكلمة الحق، والتنديد بمفاسد المجتمع، وهى الباعث للمستكشفين على المجازفة بحياتهم، وعلى هجر أوطانهم ليَرِدُوا الأصقاع المجهولة والبقاع التي لم تَخْطُ عليها قدم، فينتفع العالم بخيراتها، ويعرف أحوالها، ويضيف إلى علمه علمًا، وهى التي تحفز المخترع إلى السهر والدرس والبحث، فيُجرى التجارب في معمله أو في الجو أو في قاع البحر، وهو على ثقة من أن الموت يرصده.

والركيزة الرابعة هي مضاء العزيمة، عاجلها وآجلها، باعتبارها القوة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان لتسيطر على رغباته، وتضبط حركته، وهى مستمدة من الفطرة الإنسانية، وتأتى التجارب والخطوب لتصقلها وتمتنها، وتجعلها عزيزة لا تقبل الذل، أبية لا ترضى الهوان. والركيزة الخامسة هي الاعتداد بالنفس، الذي يمنح البطل عزة وثقة في نفسه، وهيبة في نفوس الناس، ويحصنه من الوقوع في فخ الغرور القائم على الادعاء والمبالغة والكذب، أو السقوط في أوهام الخيلاء المنطوية على الكبر والاستكبار، أو التردى في الأثرة التي تتأسس على جنوح وتزيُّد في حب النفس، وحرص على إشباع ملذاتها ومتعها.

أما الركيزة السادسة فهى الرحمة، فالبطل ليس وحشًا كاسرًا، قاسى القلب، متبلد المشاعر، بل هو إنسان عطوف، طيب القلب، رقيق المعاملة، وهذا لا يتناقض مع شجاعته ومضاء عزمه. ومَن يتصور أن البطولة خالية من الرحمة، فإنه خاطئ أو مغرض، يتوهم أن البطولة تدمير وتخريب وإفساد وغطرسة، وينسى أن الأبطال في تاريخ الإنسانية قد عرفوا الرحمة والعطف والوفاء والضعف أمام المواقف الإنسانية.

فالبطولة مرتبطة بالأخلاق ارتباطًا شديدًا، فالبطل لا يميل إلا إلى الواجب، ولا يخون الأمانة. وترتقى البطولة كلما تعلقت بالغايات العظيمة، والبطولة التي لا يبغى البطل من ورائها مجدًا وصيتًا، أو يسعى إلى الكيد إلى خصم، أو تحقيق منفعة مادية، هي البطولة السامية، التي لا تموت بموت صاحبها، بل تظل باقية حين تؤثر في أتباع البطل ومريديه، أو ترفعه إلى أن يكون مثلًا أعلى يُحتذى به على مر الزمن.

والأبطال إما أن يكونوا حقيقيين كالذين نعرفهم في السياسة والحرب والمعرفة والعلم والدين، مثل هؤلاء الذين ذكرهم توماس كاريل في كتابه الأثير «الأبطال»، أو أسطوريين تصنعهم قرائح الشعوب وأقلام بعض الكُتاب المبدعين، إما اختلاقًا كاملًا، أو بإضفاء صفات خارقة على قادة وشخصيات عادية بعد موتها. وهنا يقول كاريل: «إن من أسباب العزاء أن في ذكرى الأبطال العظماء، كيفما كانت، نفعًا وفائدة. والرجل العظيم لا يزال بعد موته ينبوع نور يتدفق، فليس أحسن من مجاورته شىء.. نور يضىء، وكان يضىء ظلمات الحياة. وليس هو كسراج أُشعل، ولكنما نجم شبته يد الله بين أشباهه من كواكب الأفق.. هو ينبوع نور يتدفق بالحكمة ومعانى الرجولة والشرف الكبير».

(ونُكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما «1 3» البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما «1 3»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon