توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حالة السكان بين الأعباء والمزايا

  مصر اليوم -

حالة السكان بين الأعباء والمزايا

بقلم - عمار علي حسن

رغم أن حقل الديموجرافيا السياسية، الذي يُعنى بدراسة حجم السكان وتركيبتهم وتوزيعهم وعلاقة ذلك بالحكم والسياسة، لم يحظ باهتمام كافٍ من علماء السياسة يليق بأهميته وحيويته، فإنه يعد من أبرز المسارات العلمية والحياتية التي تستوجب إعمال الخيال السياسى العلمى، ولاسيما أن هذا الحقل يتحدث في جانب مهم منه عما سيأتى، وليس فقط عن الوضع الراهن، بدءا من المحليات وانتهاء بترتيبات النظامين الإقليمى والدولى.

فاليوم تكاد الديموجرافيا تسيطر على أي نقاش تقريبا يتعلق بالتوجهات البعيدة المدى على المستوى المالى أو الوضع الاقتصادى أو السياسة الخارجية التي ينبغى أن تنتهجها الدول المتقدمة.

وقد أمضى جيرار فرانسوا دومون، وهو أستاذ في جامعة السوربون ومدير لحلقة بحث عن «الجيوسياسات»، في معهد الدفاع التابع لقيادة أركان الجيوش الفرنسية، ومدير مجلة «السكان والمستقبل» قرابة ربع قرن من الزمن وهو يبحث عن الإجابة عن السؤال التالى: «هل يمكن للديموغرافيا أن تمنح قوانينها لعلم السياسة؟» ثم جاء علماء سياسة أمريكيون، في مقدمتهم جاك جولدستون وإريك كوفمان ومونيكا توفت، لينشغلوا بالإجابة عن سؤال مفاده: كيف تعيد التغيرات السكانية تشكيل الأمن الدولى والسياسة الوطنية؟!.

والأولى بالخبراء والباحثين والكُتاب في بلادنا أن ينشغلوا بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة، وأن يكون الخيال حاضرا في أسئلتهم وإجاباتهم، وأن ينطلقوا من طرح رؤية عامة حول السكان والسياسة، ليناقشوا أهمية دراسة الديموجرافيا السياسية، ويقوموا بتشريح الوضع السكانى الراهن عبر مسح عام لتكوينهم، ومسألة الهوية الدينية والتركيبة السكانية من زاوية الطوائف والمذاهب وأنماط التدين، ثم الثقافة والسكان والسياسة وبصمات تنوع معارف المجتمع وقيمه على التوجهات السياسية، والسكان كعنصر من عناصر قوة الدولة من حيث الكم والكيف، والقوانين والتشريعات والخطط والسياسات التي تتعامل مع طبيعة السكان، وعلاقة النمو السكانى بالتطور الحضرى، وتوسع المدن والتجنيد الإلزامى، وقضايا الهجرة والنزوح، ومطالب الجيل الجديد من الشباب، وصعود دور النساء في العمل والتعليم والحياة الاجتماعية، ووضع الشيخوخة بين رعائية الدولة وتوريث التقاليد، والصحة الإنجابية وبناء الجيل القادم، وتأثير الديموجرافيا في الجغرافيا السياسية، والسياسات المالية، والصراعات الإثنية والدينية، وأنماط الاقتراع، ثم مستقبل الدولة القومية، وتأثير حجم السكان والبنية العمرية على ميزان القوى العالمى، ومستقبل الحروب، بعد أن ثبت أن بوسع جيوش كثيفة العدد ومتخلفة تقنيا أن تهزم جيوشا قليلة العدد مزودة بأحدث الأسلحة والمعدات والعتاد، وكذلك وضع ما يسمى «حرب الأرحام»، والتى تبدو ظاهرة في حالة فلسطين وأيرلندا الشمالية، حيث تؤدى سيطرة البنى العمرية الفتية على الميل إلى العنف لأن كلفته أقل، والعكس صحيح.

وبذا تبدو الديموجرافيا مكونا بالغ الأهمية في صياغة العملية السياسية، وتأثيرها يمكن أن يكون مباشرا أو غير مباشر، وقد تحتل المرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وهى ضرورية، لكنها نادرا ما تكون كافية، ويمكن أن تعمل كعامل مسبب أو شرطى.. على أنه بصرف النظر عن طريقة عمل الديموجرافيا، فإنها بكل أوجهها تحتاج بصورة ماسة إلى أن يتم إدراجها في الاتجاه السائد للعلوم السياسية. ولا يمكن لدراسة الأمن الدولى والسياسة العالمية أن تمضى قدما من دون استيعاب الكيفية التي تؤثر بها المفاهيم والبيانات الرئيسية المتعلقة بالتغيرات السكانية في هذه القضايا.

وإعمال الخيال في قضايا الديموجرافيا يسير في اتجاهين على النحو التالى:

1 ـ عدم النظر إلى الديموجرافيا باعتبارها قدرا حتميا، بما يؤدى إلى مقاومة آثارها السلبية، خاصة تلك التي تتعلق برؤية توماس مالتوس، التي رأى أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية بينما الموارد تزيد بمتوالية حسابية، بما يقود إلى خلل شديد يحتاج إلى تدخل عوامل خارجية بغية إعادة التوازن بين نمو السكان ونمو المواد الغذائية، مثل الحروب والمجاعات والأوبئة والأمراض. فالتقدم العلمى والتقنى عالج بمرور الوقت بعض هذه الآثار السلبية ولاسيما من خلال التقدم في البايوتكنولوجى والهندسة الوراثية.

2 ـ تخيل ما يحدثه التطور الديموجرافى من تأثيرات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تساعد في تقليل الآثار السلبية للنمو السكانى غير المتوازن كمًا وكيفًا على المستويين المحلى والدولى، وتحويل السكان من عبء إلى ميزة.

وتبدو قضية استيعاب الشباب وإرضائه والاستفادة من طاقته الخلاقة هي المجال الأكثر إلحاحا الآن، إن كنا نفكر في تفادى سلبيات الديموجرافيا السياسية. وقد ذاع صيت مفهوم «تمكين الشباب» أخيرًا، ولاسيما في مجتمعات أوصدت الأبواب طويلا أمام تقدم جيل جديد ليشغل مواقعه في مؤسسات الدولة السياسية والبيروقراطية في سلاسة، علاوة على ترجمة أشواقه إلى التقدم والتحرر والعدالة إلى سياسات وإجراءات وقرارات، وذلك في وقت لم يعد فيه «تمكين الشباب» مسألة ترفية ولا طرفية ولا منة أو حتى خيار، إنما ضرورة ملحة وفريضة واجبة، مع دراسات سكانية تخبرنا كل يوم بأن نسبة من هم في سن الشباب إلى السكان جميعا في تصاعد مستمر.

وللتمكين محفزات لا يمكن نكرانها، وهى تلح في سبيل تحقيقه إلحاحا ظاهرا، ولها أبعاد نفسية عميقة، لا يجب تجاهلها، وهى في مجموعها تشكل مستويات متوالية ومتداخلة من الرغبات، مثل: الرغبة في النشاط، والرغبة في الملكية، والرغبة في السلطة، والرغبة في الهيبة أو المكانة الاجتماعية، والسعى إلى الإنجاز، والعمل على تحصيل الاحترام، وتحقيق الانتماء، وحيازة السلطة.

فالتمكين لا يطلب لذاته، إنما لتلبية هذه الرغبات التي يتسبب وجودها وتفاقمها من دون أن تلقى استجابة بغية تحقيقها في توتر الفرد، ومن ثم توتر الشريحة العمرية أو الاجتماعية غير الممكنة، أو المهمشة والمستبعدة، ويقود هذا في النهاية إلى توتر المجتمع بأسره.

ومفهوم التمكين توزع على السياسى، فارتبط بإسهام الشباب في صنع القرار واتخاذه.. والاقتصادى فتعلق بالحصول على فرص عمل مناسبة.. والاجتماعى ويتمثل في حيازة المكانة من خلال أدوات طبيعية وشفافة للحراك الاجتماعى، وعلى رأسها التعليم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة السكان بين الأعباء والمزايا حالة السكان بين الأعباء والمزايا



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon