توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السياسة والحرب على «رقعة شطرنج» (1 ـ 2)

  مصر اليوم -

السياسة والحرب على «رقعة شطرنج» 1 ـ 2

بقلم - عمار علي حسن

تحلو لكثيرين استعارة لعبة «الشطرنج» فى ترتيبات السياسة، وتجهيزات الحرب والتخطيط لها، وهى فى هذا ربما تكون أقرب الألعاب التى تؤدى دورها هذا فى صمت وبراعة، وإن كانت تقوم بتصوير السياسات الدولية على أنها «عقلانية» و«منتظمة» و«هادئة»، وتصوير الحرب على أنها ممارسة بشرية تمضى بإحكام شديد، حيث يتمكن القادة العسكريون من أن يحققوا فى ميادين القتال كل ما دار فى عقولهم، وفكروا فيه مليا، قبل النزال المهول، وهذا أمر فيه الكثير من الخيال.

وقد ولدت لعبة الشطرنج فى حضن تصور فلسفى يرى أن «السياسة عقلانية» إلى حد بعيد، إذ يقال إن ملكا هنديا يدعى بلهيث أراد اختراع لعبة تعتمد على العقل الصرف بدلا من لعبة فضلها ملك هندى سابق هو باهبود تعتمد على الحظ والعقل معا وهى «الطاولة» أو «النرد»، من منطلق إيمان الملك اللاحق بأن العقل وحده محرك الحياة، فجاء «الشطرنج» معبرا عن فلسفته تلك. وهذا النزوع العقلانى ربما هو ما دفع وزير المالية الألمانية بيير شتاينبروك، الذى تمنى لو نازل نابليون بونابرت فى لعبة الشطرنج، أن يرى أن هناك أشياء مشتركة تربط الشطرنج والسياسة، حيث قال: «كل منهما له علاقة بالتخطيط الاستراتيجى حيث يتحرى الشخص موقفه أولا ثم يضع نفسه محل الخصم ليعرف ماذا ينوى فعله فى الخطوة التالية».

وإذا كان «الشطرنج» هو لعبة الملوك المفضلة فهو كذلك لعبة العموم التى تمكن خيالهم من التحليق بعيدا عن القاع، لينصّبوا أنفسهم، طيلة وقت اللعب، قادة وملوكا يسوسون الجيوش ويدخلون الحروب ليكسبوها أو يخسروها على رقعة واحدة، وهم فى هذا مثل الملوك اللاعبين، يحققون النصر دون أن يروا صور القتل والتدمير والأشلاء التى تصاحب الحروب الحقيقية، أو حتى بعض الألعاب الإلكترونية الحديثة، فإن انتصروا تواضعوا بلا ضوضاء، وإن هُزموا صبروا بلا انفعال ولا احتداد ولا احتقان.

وبذا باتت «لعبة الشطرنج مجازا متكررا دالا على شؤون العلاقات الدولية، تزين الصورة الملتقطة فنيا لملوك وفرسان (شاهات وبيادق) العديد من الكتب أو المقالات البحثية، خصوصا تلك المتعلقة بنظرية العلاقات الدولية»، كما أنها صارت كـ «لعبة ملكية» هى المفضلة لدى ساسة مشهورين مثل نابليون بونابرت الذى كان يخطط لمعاركه على رقعة شطرنج، ولينين وهتلر وتشرشل وجيفارا وكاسترو وأوباما، كما مارسها أدباء مثل شكسبير وماركيز، ووظفها الأول سياسيا فى مسرحيته «العاصفة» حين أضاف مشهدا فيها تقديرا للأميرة إليزابيث التى كانت واحدة من لاعبات الشطرنج الماهرات، فيما أورد الثانى شيئا عنها فى روايته «الحب فى زمن الكوليرا»، حين توقف الدكتور أوربينو عن لعبها بعد انتحار صديقه جيرمايه.

وقد تعددت استعارة الشطرنج فى السياسة والتخطيط الاستراتيجى، فها هو مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق زبجينو بريجنسكى يرى العالم على أنه رقعة شطرنج فى كتابه الشهير «رقعة الشطرنج الكبرى: الأولويّة الأمريكية ومتطلباتها الجيوستراتيجية»، والذى يحوى تنظيرا وتحليلا ونبوءة لكيفةى استمرار بلاده مسيطرة على العالم أطول فترة ممكنة، عبر سرد تاريخى أراد من خلاله أن يبرهن على أن الإمبراطورية الأمريكية مختلفة عن غيرها من الإمبراطوريات التى حكمت العالم منذ فجر التاريخ، ثم يعدد ركائز قوتها، وأسرار ظهورها السريع كقطب أوحد فى العالم المعاصر، والقوى الأخرى التى يمكن أن تنافسها، والتحديات والتهديدات التى ستواجهها، والأماكن التى سيتعزز فيها النفوذ الأمريكى، والأرض التى ستكون نقطة انطلاقها إلى الهيمنة على العالم، والقوى التى ستساندها فى سبيل تحقيق هذا الهدف. وهناك من حاول توزيع أدوار الدول فى منطقة الشرق الأوسط بالطريقة نفسها التى تتوزع بها قطع الشطرنج على رقعتها، فدولة تمثل «الملك» وأخرى تمثل «الوزير» وثالثة تمثل «الطابية» ورابعة تمثل «الحصان» وخامسة هى «الفيل»، وهناك من ليس بوسعها سوى أن تكون «بيادق»، ويدور التزاحم والتنافس والصراع بينها على هذا الأساس، بينما تحاول قوى أخرى أن تقحم نفسها على الرقعة باحثة عن دور بأى ثمن.

واستعار راى تاكير، من واقع خبرته الطويلة بالشؤون الإيرانية وعضويته فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، لعبة الشطرنج فى تحليل السياسة الإيرانية الخفية، خاصة حيال العراق، التى تم تنفيذها بأيدى أحمدى نجاد الذى يمثل جيل العائدين من الحرب، وأستاذه خامنئى، والبراجماتى هاشمى رافسنجانى، والإصلاحى محمد خاتمى، فى غفلة من إدارة الرئيس جورج بوش الذى غزا العراق، فسلمه، دون قصد منه، إلى النفوذ الإيرانى.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والحرب على «رقعة شطرنج» 1 ـ 2 السياسة والحرب على «رقعة شطرنج» 1 ـ 2



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon